تقارير

مستقبل كارثي.. كيف تؤثر ظروف الحرب وانقطاع المرتبات على التعليم الحكومي في اليمن؟

01/02/2025, 09:51:58

نحاول قدر المستطاع تعليم الطلاب في ظل ظروف بالغة الصعوبة، بينها انعدام الكتاب المدرسي والرواتب الضئيلة لا تفي بأدنى متطلبات الحياة". بهذه الكلمات يصف عادل أحمد قائد -وكيل مدرسة الثورة- بريف محافظة تعز واقع التعليم في اليمن.

ويعمل قائد في قطاع التعليم منذ 28 عاما، ويرى أن الواقع الحالي يقاسي تحديات كبيرة بينها انحسار الكادر التعليمي المؤهل، وغياب الكتاب المدرسي، وضآلة راتب المعلمين الذي لا يكفي حتى لشراء الدقيق، كما يقول.

يضيف قائد (54 عاما) أن "التعليم في اليمن بات متدهورا جدا، وأصبح بعض الطلاب لا يستطيع حتى كتابة اسمه بالشكل الصحيح ولا يجيد القراءة، جراء ازدحام التلاميذ وضيق الفصول الدراسية، وعدم توفر الكتاب المدرسي".

احتجاجات

وخلال الفترة  الماضية، شهد عدد من مدن اليمن احتجاجات على تدهور الوضع المعيشي للمعلمين والأكاديميين نتيجة تراجع قيمة رواتبهم بنحو 10 أضعاف جراء تدهور العملة.

ولأول مرة منذ سنوات، تأخّر تسليم رواتب الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2024، مما أدى إلى إضراب في المدارس والجامعات الحكومية قبل أن يتم استئناف التعليم خلال الأيام الماضية بعد وعود من السلطات بتحسين أوضاع الكادر التعليمي.

وتراجعت رواتب الأكاديميين إلى أقل من 120 دولارا بعد أن كانت بمعدل 1500 دولار مطلع العام 2015، بينما راتب المعلمين أصبح بالمتوسط نحو 40 دولارا هبوطا من قرابة 400 دولار قبل الحرب.

وفي سبتمبر 2024، أعلن ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في اليمن، بيتر هوكينز، وجود 4.5 ملايين طفل خارج المدرسة في البلاد، معتبرا ذلك "قنبلة موقوتة".

وحذّر من أنه "ما بين خمس وعشر سنوات، ربما يكون الجيل القادم أميا، وربما لا يعرف الحساب، ولديه القليل جدا من المهارات الحياتية والتأسيس، وهذا سيكون أمرا إشكاليا أكثر وأكثر مع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية مع جيل جديد".

وخلال الأيام الماضية عقد وزير التربية والتعليم اليمني طارق سالم العكبري، اجتماعا موسعا في مدينة عدن لبحث سير العملية التربوية والتعليمية في البلاد. وشدد في بيان لوزارته، على أهمية تضافر الجهود من الجميع لاستقرار العملية التربوية والتعليمية في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بالبلاد".

وسبق أن شكَت الحكومة مرارا من صعوبات مالية كبيرة منعت من مواجهة متطلبات القطاع التعليمي، خصوصا تحسين أوضاع المعلمين والأكاديميين.

مستقبل كارثي

يقول المعلم الخمسيني عبده أحمد صالح، الذي يعمل  في مدرسة التصحيح بمنطقة بني بكاري التابعة لمديرية جبل حبشي غربي محافظة تعز، إن "استمرار تدهور التعليم في اليمن ينبئ بمستقبل كارثي للأجيال".

وفي حديثه يشكو من أن "المعلم اليمني أصبح غير قادر على توفير أدنى متطلبات الحياة لأفراد أسرته خاصة مع استمرار تدهور العملة".

وأضاف أن وضع التعليم في اليمن  أصبح مأساويا، وواقع المعلمين يتدهور باستمرار، مشيرا إلى أن راتبه لا يصل إلى 50 دولارا ولا يكفي لتوفير أدنى متطلبات الحياة لأسرته المكونة من 8 أفراد.

وتابع" بعض المعلمين اتجهوا إلى الإضراب بسبب عدم صرف رواتب أشهر سابقة، واستمرار غلاء المعيشة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية للكادر التعليمي، وهذا الأمر يؤثر على مستوى الطلاب".

العمل بدل المدرسة

بدوره، يعزو الناشط المجتمعي عبد الله البركاني تدهور التعليم إلى انهيار الأوضاع المعيشية للمعلمين والطلاب. وأضاف للجزيرة نت أن "ثمة معلمين يتسلمون راتبا شهريا لا يوازي 20 دولارا، وهو مبلغ ضئيل جدا، لا يمكن أن يوفر أدنى مقومات الحياة".

وتابع "العديد من المعلمين يذهبون إلى المدارس دون أن يتناولوا طعام الإفطار بسبب تدني مستوى دخلهم المعيشي، مما يؤثر على جودة التعليم".

ويلاحظ البركاني أيضا أن الكثير من الأسر أصبحت تُلقي بأطفالها إلى سوق العمل عوضا عن المدرسة، بهدف توفير متطلبات العيش جراء الفقر المدقع وتدهور الأوضاع.

وطالب الحكومة بصرف رواتب الكادر التعليمي بما يوازي قيمة رواتبهم مطلع 2015، حتى يتم الاهتمام بالتعليم بشكله المطلوب.

من الرمضاء للنار

ودفع التدهور الكبير في التعليم بعض الأسر اليمنية إلى تسجيل أولادهم في مدارس خاصة رغم الكثير من التحديات.

 يقول المواطن محمد إسماعيل، إنه سجّل أولاده الثلاثة في مدرسة خاصة بمدينة تعز، بعد أن شهد الإهمال الكبير في المدارس الحكومية.

 وأضاف "كنت أظن أن التعليم الخاص سيكون منقذا لأطفالي، لكن وضعي أصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار".

وتابع "طرق التعليم أصبحت غير مجدية في المدارس كافة، فالوضع العام أثر على كل مناحي الحياة، ولولا حرصي الكبير على تعليم أطفالي في المنزل لما تعلموا حتى الإملاء".

وأردف "المدارس الخاصة تطلب مبالغ مالية كبيرة، لكن كفاءة المعلمين تتراجع نتيجة الرواتب الزهيدة التي تعرضها على الموظفين لديها، ما يجعل المخرجات غير جيدة".

ومضى قائلا "رغم كل هذه الصعوبات والتحديات لجأنا إلى التعليم الخاص كونه أفضل نسبيا إذا ما تمت مقارنته بالقطاع العام الذي يعاني من إضراب متكرر وتعليم جزئي لبعض الحصص فقط".

دمار واسع

في أكثر من بيان، سبق أن أعلنت الأمم المتحدة تدمير أو تضرر آلاف المدارس في اليمن جراء الحرب، وأن 8 ملايين طالب بحاجة ماسة إلى دعم تعليمي.

وفي السياق، يقول أمين عام نقابة المعلمين بمحافظة تعز عبد الرحمن المقطري إن الحرب تسببت بدمار أكثر من 10 آلاف مدرسة على مستوى اليمن، مع نهب العديد من المؤسسات التعليمية ومعامل المعاهد التطبيقية والتقنية والعلوم، فضلا عن وقف طباعة الكتب وتسرب أكثر من 2.5 مليون طالب وطالبة من التعليم، وتضرر آلاف المعلمين، مما خلق مأساة كبيرة في الجانب التعليمي.

وقال إن عدد المعلمين الرسميين في مديرية واحدة كبيرة بمحافظة تعز هي "صالة" 2500 معلم، لكن إجمالي المعلمين مع المتطوعين الموجودين حاليا لا يتجاوز ألفا، مشيرا إلى أن الطلاب قبل الحرب في المديرية ذاتها كان عددهم 88 ألف طالب وطالبة، وحاليا لا يصل عددهم إلى النصف.

ولفت النقابي اليمني إلى تدهور الاقتصاد وتراجع الريال اليمني بشكل كبير، خاصة مع شح الموارد، والإنتاج المحلي، ما تسبب بتفاقم الأوضاع المعيشية لدى المعلم  والطالب.

وأوضح أن "المعلم أصبح يذهب إلى المدرسة حافي القدمين، وشارد الذهن، ومهموما بحال أسرته، ولا يستطيع تقديم التعليم الجيد للطلاب، مما يسبب كارثة للتعليم في المستقبل".

وحول الحلول لهذا الوضع يقترح المقطري أنه "يجب على أفراد المجتمع خصوصا الآباء والمجالس المحلية وبعض التجار الميسورين الاتفاق مع المعلمين وتقديم رواتب شهرية، لهم بحدود 50 ألف ريال (24 دولارا)، وتوفير بعض الحصص الغذائية لهم كما جرى في بعض المناطق، كحل مؤقت حتى تنتهي الأزمة".

وشدد على ضرورة أن "تتخذ الدولة كل الوسائل من أجل حل هذه القضية من خلال التعاون مع الأشقاء والمنظمات الدولية لحل معاناة التعليم".

معاناة التعليم الجامعي

وألقت تداعيات الحرب بثقلها على التعليم الجامعي في اليمن الذي بات يعاني واقعا مزريا، بينما تم إغلاق بعض الأقسام نتيجة عدم الإقبال عليها وهجرة العديد من الأكاديميين بحثا عن معيشة أفضل.

يقول رئيس قسم الإعلام وعلوم الاتصال بجامعة تعز الدكتور منير التبعي، إن "وضع الأكاديميين اليمنيين بات مزريا وكارثيا للغاية، مشيرا إلى أن الأستاذ الجامعي اليوم لا يستطع أن يفي بأبسط احتياجاته الضرورية للحياة خاصة أن راتبه لا يساوي إيجار شقة، فضلا عن احتياجاته الأخرى من غذاء ودواء".

وأضاف أن "راتب الأستاذ الجامعي كان قبل عشر سنوات ما يعادل 1500دولار، واليوم لا يساوي 120 دولارا، ومع ذلك يستمر الأكاديميون في التدريس من منطلق الواجب الوطني والإنساني".

وأردف التبعي "قبل 10 سنوات كان الأستاذ يطالب بتحسين مستحقاته المالية، أما الآن لم يعد يطالب بأكثر من أن يعود إليه الراتب السابق، خاصة مع استمرار العملة المحلية في التراجع وغلاء الأسعار".

وشدد التبعي على ضرورة  تحسين مستوى الراتب ورفعه بما يساوي قيمته قبل اندلاع الحرب، وإيقاف الانهيار المتسارع للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية والارتفاع الجنوني للأسعار ومحاسبة المتلاعبين بها.

وشدد قائلا "إذا تحققت هذه الحلول سوف يعود الأستاذ الجامعي إلى عمله وهو قادر على دفع الإيجار والاهتمام بأولاده، وتعليم طلابه، بالإضافة إلى عودة  كرامته وقيمته ومكانته في هذا المجتمع".

الجزيرة نت 

تقارير

من يعيل كبار السن في زمن الحرب؟

“لا أحد يهتم بنا هنا، الحياة أصبحت صعبة لدرجة أننا لا نجد قوت يومنا، كيف يمكن أن نعيش بهذا الشكل؟” هكذا بدأ الحاج علي، مسن يمني في السبعين من عمره، حديثه وهو جالس أمام منزله المهدم في محافظة تعز، حيث لا يزال يعاني من آثار الحرب القاسية.

تقارير

الانعكاسات الخفية.. كيف أثرت الحرب على الصحة النفسية للأطفال في اليمن؟

تعيش اليمن منذ سنوات في دوامة من الصراع المستمر الذي ألحق أضراراً جسيمة على جميع جوانب الحياة، ولم تقتصر تلك الأضرار على البنية التحتية أو الاقتصاد فحسب، بل امتدت لتطال جوانب أخرى أكثر عمقاً، مثل الصحة النفسية للأطفال في المناطق المتضررة.

تقارير

إحصاءات مقلقة.. تحدّيات ومعاناة يعيشها مرضى السرطان في اليمن؟

الرابع من شهر فبراير من كل عام هو اليوم العالمي لمرضى السرطان، الذي يحل على اليمن بإحصاءات تثير القلق، حيث أعلن مسؤول في مكتب الصحة بتعز ارتفاع عدد حالات الإصابة بالسرطان بنسبة 34 % في المحافظة، خلال العام الماضي، مقارنة بسابقه 2023".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.