تقارير
في ظل تعدد القوى.. كيف يمكن إعادة تعريف المؤسسة العسكرية؟
شهدت منطقة ردفان في محافظة لحج عرضًا عسكريًا لوحدات من اللواء الخامس دعم وإسناد، وهي قوات يفترض انتماؤها للجيش اليمني، لكنها تتبع فعليًا لإدارة المجلس الانتقالي الجنوبي.
حضر العرض وزير الدفاع، ورفع فيه علم دولة الشطر الجنوبي من اليمن قبل الوحدة، وهذا الحدث يبرز بوضوح حالة التداخل بين القوات النظامية والتشكيلات ذات الولاء السياسي المناقض، ويكشف أن مفهوم الجيش الوطني لم يعد محددًا بمعايير الانضباط المؤسسي أو القيادة الموحدة، بل ويشير إلى خلل عميق في رأس المؤسسة العسكرية، يفقدها القدرة على إبداء الحساسية المناسبة تجاه المواقف والأحداث.
- أزمة قائمة
يقول المحلل العسكري العميد عبد الرحمن الربيعي: في البداية نحن قادمون بعد أيام قلائل على احتفالات شعبنا بالذكرى 62 لثورة الـ14 من أكتوبر، وبهذه المناسبة نرفع التهاني لقواتنا المسلحة ولشعبنا اليمني في كل ربوع اليمن جنوبًا وشرقًا وغربًا وشمالًا.
وأضاف: أقولها صراحة، قد أتحايل على الإجابة، ولا ننسى أن لدينا ظرفًا استثنائيًا، ولدينا وضعٌ مأزوم، هذا في حقيقة الأمر، وإذا كان الإخوة أو الزملاء رفقاء السلاح رفعوا علم الانفصال، فالأمر ليس بمستغرب، فالعلم مرفوع في العاصمة المؤقتة عدن، في كل مؤسسات الدولة، وفي الوحدات العسكرية الموجودة في عدن، وفوق الأطقم، ويمكن حتى في بوابة وزارة الدفاع.
وتابع: لكن الناس تتغاضى عن هذا الأمر لأسباب عديدة، والأخ وزير الدفاع زار كل الوحدات والتشكيلات العسكرية من المنطقة الخامسة إلى وسط اليمن، إلى شرقها وغربها وكل المناطق التي تنضوي تحت راية الشرعية، زارها ولم يتبقَّ إلا هذه الوحدات، وكانت جزءًا من بروتوكول الزيارة.
وأردف: زيارة وزير الدفاع جاءت في وقت مفاجئ، فلم يكن قائد اللواء ولا العسكريون جاهزين لمثل هكذا أمر، ففوجئ وزير الدفاع، والأمر ليس بمستغرب، لأن العلم موجود حتى في المعاشيق، ولا مشكلة، لكن هناك في الجنوب كثير منهم من يرفع علم الانفصال، وكثير منهم من يرفع علم الجمهورية.
وزاد: لدينا أزمة موجودة وقائمة، لكن أقول هنا إن ثلاث محددات هي التي تطمئننا، الأولى أن اليمن لا تزال أمام العالم في الجامعة العربية، وفي الأمم المتحدة، وأمام العالم كله بلدًا موحدًا، فيما الثانية، أن مجلس الرئاسة لا يزال هو المجلس الذي يقود البلاد والحكومة والمتواجدين في عدن، والثالثة أن الهدف الجامع لهذه التشكيلات، وإن اختلفت في أعلامها وألوانها، لكن العامل المشترك هو استعادة الدولة.
وقال: قبل أيام قلائل، إذا عدنا لكلمة عضو مجلس الرئاسة، عيدروس الزبيدي، هو أشار في كلمته وكانت قوية، إلى أن الهدف الأساسي لكل اليمنيين هو استعادة الدولة.
وأضاف: حتى وزير الدفاع، وهو يخاطب هؤلاء الضباط والجنود، لم يتكلم عن الانفصال، لم يشر إلى الجنوب والشمال، لكنه أشار إلى هدف استراتيجي، أعباؤه وكلفته واتجاهاته وأهدافه منضوية على كل الجيش اليمني بكل تشكيلاته.
وتابع: لدينا توحش ولدينا حالة استنفار، والبروتوكول لا يسمح، والتقاليد العسكرية لا تسمح بما حدث، لكن نحن أمام ظرف مأزوم، وظرف يستحق المعالجة الهادئة.
وأردف: أنا لست خائفًا من هذه الأعلام، ولدي اطمئنان أن الانفصال لن يتحقق على الإطلاق، لأن الإخوة سواء في الشمال أو في الجنوب، الوضع لا يحتمل تجزئة المجزأ، وكما قال أحد الإخوة الصحفيين أو الفلاسفة، إن "للشمال شمالًا، وللجنوب جنوبًا"، واليوم إذا لم تتحد كل القوى في هدف ومشروع جامع، فإن الضرر سيلحق بالكل.
- ضآلة العقل العربي في السياسة
يقول الصحفي عبد العزيز المجيدي: إن اللقطة التي ظهر فيها وزير الدفاع، أعتقد بأنها تحصيل حاصل، فهناك الكثير من الإجراءات التي مرت خلال السنوات الماضية من الحرب، ورسخت فكرة تشظي الكيان اليمني، وأعتقد بأن هناك الكثير من السياسات التي انتهجتها الأطراف المتدخلة في الشأن اليمني ذهبت باتجاه ترسيخ مثل هذه اللافتات، وتشتيت الجهد وتشتيت الكيان.
وأضاف: كان يفترض بهذه الأطراف المتدخلة في الشأن اليمني، التي جاءت باسم دعم الشرعية اليمنية، والحكومة اليمنية، وحكومة الجمهورية اليمنية، أن تلتزم بالكيان القانوني للجمهورية اليمنية، وألا تذهب باتجاه إنشاء كيانات موازية وبعيدة عمليًا عن الهوية اليمنية، وضد فكرة الدولة اليمنية الواحدة.
وتابع: هناك خلل عميق بدأ بوقت مبكر، وهذا الأمر الذي حدث من خلال اللقطة التي ظهر بها وزير الدفاع، أعتقد بأنه تحصيل حاصل.
وأردف: هناك إشكالية كبيرة تتعلق بمسألة النخبة اليمنية أو نخبة الحكم، وكل الأطراف التي شاركت بهذا المشهد الهزلي، للأسف تماهت مع كل المشاريع الأجنبية والخارجية التي أرادت ضرب الكيان اليمني، وقبلت بالذهاب بعيدًا باتجاه تكوين تشكيلات وكيانات، وبعد ذلك أصبحنا أمام هذا المشهد.
وزاد: موضوع تحية العلم في كل الجيوش هو جزء من الطابور الصباحي، الذي تنشأ عليه الجيوش والكتائب العسكرية بصورة يومية، وهو جزء من العقيدة العسكرية، ثم يتحول بعد ذلك إلى رمز وطني، وهذا الرمز الوطني هو الذي يدفع المقاتل دمه من أجله.
وقال: طالما أن هذه الدول التي جاءت لتتدخل في الكيان اليمني، وهي تتدخل من أجل مساندة الشرعية اليمنية، كان من المفترض أن تحترم هذا الكيان القانوني للجمهورية اليمنية.
وأضاف: هذه الخيانة للدستور لم تحدث بمجرد اللقطة التي ظهر بها وزير الدفاع، أنا أعتبر بأن الأمر بدأ منذ أن تغافلنا عما حدث منذ بداية تشكيل كيانات مناهضة للجمهورية اليمنية منذ اللحظة الأولى، وهناك من أراد أن تذهب الأمور بهذا الاتجاه، وأن يصنع كيانات وهويات متعددة.
وتابع: الأمر اليوم لم يعد يقتصر فقط على وجود مثلًا المجلس الانتقالي ومزاعمه ودعاويه المتعلقة بمسألة الانفصال، حتى هو لا يتحدث عن جمهور اليمن الديمقراطي، ويتحدث عن الجنوب العربي، وهناك كيانات أخرى تتشكل وتنشأ بمسميات مختلفة.
وأردف: اليوم هناك من سعى وقدم المال والأسلحة والدعم من أجل زعزعة هذا الكيان، هناك فوضى لها علاقة بضآلة العقل العربي في التعامل مع الخصومات السياسية.