تقارير

حرب بريطانيا غير المعلنة على اليمن

05/07/2025, 13:43:06
المصدر : نيو انترناشيوناليست - بقلم: جاك سينامون و روث رود (ترجمة خاصة)

ملأ هدير محركات الطائرات المقاتلة سماء الليل عندما أقلعت ست طائرات بريطانية من قاعدة «آر إيه إف أكروتيري» التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني على الساحل الجنوبي لقبرص، مساء 11 يناير 2024. وبأضواء الملاحة اللامعة في الأفق، عبرت الطائرات الأجواء المصرية باتجاه شمال اليمن.

وبعد ساعات، أسقطت الطائرات قنابل «بايفوي IV» الموجهة بالليزر على البلاد التي مزقتها الحروب. كانت هذه واحدة من العديد من المرات التي ضربت فيها القنابل البريطانية الصنع اليمن منذ 2015، لكن هذه المرة لم يكن الطيارون سعوديين أو إماراتيين، بل من القوات الجوية البريطانية والأمريكية. إذ انتقل الحليفان من تزويد القنابل إلى استخدامها بشكل مباشر.

وجاءت الضربات، بحسب المزاعم، رداً على هجمات الحوثيين ضد السفن الحربية الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، والتي تم نشرها بعد أن اختطف الحوثيون، المعروفون رسمياً باسم «أنصار الله»، سفينة الحاويات «جالاكسي ليدر» في نوفمبر 2023 في إطار حصار بحري احتجاجاً على الحملة الإسرائيلية الإبادة في غزة. ومنذ ذلك الحين، نفذ الحوثيون – الذين يشكلون السلطة الفعلية في معظم شمال اليمن – مئات الهجمات في البحر الأحمر، استهدفت بعضها سفناً لا علاقة واضحة لها بإسرائيل أو حلفائها، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن.

وانخفضت حركة السفن التجارية عبر المنطقة بنسبة 64%، ولجأت السفن المبحرة بين أوروبا وآسيا إلى سلوك طريق أطول حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا. وانخفضت إيرادات قناة السويس في مصر بنسبة 60% عام 2024، ما أدى إلى خسارة قدرها 7 مليارات دولار. وأعلنت هيئة ميناء إيلات الإسرائيلي إفلاسها رسمياً.

اليمن تحت النار

بينما استحوذت الضربات البريطانية والأمريكية الأولى في يناير 2024 على عناوين الصحف، لم تحظ الهجمات التالية في الشهور اللاحقة بتغطية إعلامية تُذكر. كما نفذت إسرائيل عدة جولات من الغارات الجوية رداً على تحركات الحوثيين، مستهدفة المزيد من الأهداف المدنية.

وفي السنة الأولى من القصف المستمر، استهدفت الضربات الأمريكية والبريطانية بشكل عام المنشآت العسكرية، لكن مشروع بيانات اليمن، الذي يوثق سير الأعمال العدائية في اليمن منذ 2015، وجد أنه بين يناير 2024 ويناير 2025 قُتل 21 مدنياً وأصيب 64 آخرون في ضربات أمريكية وبريطانية. وخلال الفترة نفسها، أصابت 16% من تلك الضربات أهدافاً غير عسكرية.

في 29 سبتمبر، وبعد اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية لصاروخ حوثي كان موجهاً نحو تل أبيب، دمرت المقاتلات الإسرائيلية محطتي توليد كهرباء وميناء رأس عيسى النفطي، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص واحتجاز عمال وسط حرائق ضخمة.

كثفت الولايات المتحدة حملتها الجوية في مارس من هذا العام عبر ضربات عديدة استهدفت البنية التحتية المدنية، وفي أبريل قصفت ميناء رأس عيسى النفطي، ما أدى إلى مقتل 80 شخصاً وفقاً للسلطات الحوثية، وأعاد اليمن إلى شفا أزمة طاقة جديدة.

كُشف عن الحملة العسكرية الأمريكية الثأرية، المسماة «عملية رايدر القاسي»، عندما أُضيف الصحفي الأمريكي – والحارس السابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي – جيفري غولدبرغ بالخطأ إلى دردشة خاصة عبر تطبيق «سيغنال» ضمت كبار المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يتفاخرون بعملياتهم. وقد أثار تسريب تلك الدردشة العامة والإعلامية غضباً أكبر من القصف نفسه.

وقال أحد الناجين من غارة أمريكية استهدفت حيًا سكنيًا لقناة الجزيرة: «كانت هذه عائلة تفطر معاً، وليست قاعدة عسكرية. الأمريكيون لا يميزون بين متمرد وطفل». وروت أم تُدعى خولة، أُصيب أطفالها في الضربة نفسها، كيف «صرخت بأسماء أولادها» قبل أن «يعثر جار على جثتي طفلين صغيرين طارتا عدة أمتار بفعل الانفجار». والآن، يواصل الصبيان سؤالها إن كانت القنابل ستسقط مجدداً على الحي.

من جانبها، زودت بريطانيا الطائرات الأمريكية بالوقود جواً خلال تنفيذها ضربات قتلت أو جرحت أكثر من 213 مدنياً، وذلك في الشهر الأول من حملة ترامب الجوية في اليمن، بين 15 مارس و15 أبريل، مع استمرار الضربات وسقوط مزيد من الضحايا منذ ذلك الحين. كما نفذت بريطانيا ضربات أخرى لاحقاً في اليمن، في حين قصفت إسرائيل مطار صنعاء وميناء الحديدة وبنى تحتية مدنية أخرى منذ منتصف أبريل.

الإرث البريطاني في اليمن

رغم أن للولايات المتحدة تاريخاً طويلاً في تنفيذ ضربات بطائرات مسيرة في اليمن، فإن قصف 2024 كان المرة الأولى منذ زمن طويل التي تستهدف فيها بريطانيا مواقع هناك بشكل مباشر. وبينما أصرت الحكومة البريطانية على أن ضرباتها محدودة ودقيقة وتستهدف المنشآت العسكرية فقط، إلا أن هذه الرواية المنسقة تُخفي واقعاً أوسع: دور بريطانيا المتغلغل في الصراع اليمني، الذي يتجاوز القصف المباشر ليشمل تجارة السلاح والدبلوماسية الإقليمية.

لدى بريطانيا سجل طويل من التدخل العلني والخفي في اليمن. ففي عام 1839 احتلت عدن والمناطق المحيطة بها، وظلت مسيطرة عليها لأكثر من قرن حتى انسحبت منها عام 1967 بفعل المقاومة المناهضة للاستعمار. ويكتب المؤرخ جون نيوزينغر: «لا شيء جديداً في قصف الطائرات البريطانية لليمن. فشعب اليمن لديه خبرة تقارب مئة عام من القصف البريطاني». فقد كانت عدن مستعمرة بريطانية 129 عاماً، ولعب موقعها الاستراتيجي دوراً محورياً خاصة بعد افتتاح قناة السويس، إذ كانت عدن نقطة مركزية في طرق الشحن بين الهند وأوروبا.

وفي الشمال، حكمت المملكة المتوكلية اليمنية من 1918 حتى 1962، قبل أن تطيح بها ثورة مدعومة من مصر أشعلت حرباً أهلية دعمت فيها بريطانيا وإسرائيل والسعودية قوى الملكية – التي هُزمت في النهاية. في تلك الحقبة، وبعد خسارة السويس للعرب والثورة في العراق، أصبحت عدن «الحامية البريطانية الرئيسية بين قبرص وسنغافورة» بحسب الباحث ديفيد ويرينغ، وبؤرة نفوذها العسكري في المحيط الهندي والخليج.

لاحقاً، لعبت الأسلحة البريطانية والاستخبارات دوراً محورياً في الحملة الجوية التي قادها التحالف السعودي-الإماراتي على اليمن من مارس 2015 إلى مارس 2022، حيث نُفذت أكثر من 25 ألف غارة خلفت أكثر من 19 ألف ضحية مدنية. وأسفرت الحرب والحصار الذي فرضه التحالف وانتهاكات القانون الدولي الواسعة من قبل الحوثيين وغيرهم عن مقتل نحو 377 ألف شخص بحلول نهاية 2021. وكما لاحظت الباحثة في اليمن هيلين لاكنر: «تتفاخر بريطانيا بالمساعدات الإنسانية التي تقدمها لليمن، لكنها تتجاهل مقارنة ذلك بالأرباح التي تحققها شركاتها من صفقات السلاح مع السعودية والإمارات».

في أكتوبر 2016 وقعت أكبر مجزرة في الحرب حين قصف التحالف بقيادة السعودية مجلس عزاء في صنعاء، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 140 شخصاً. دفع ذلك إدارة أوباما لمراجعة دورها في الحرب، بينما طالب بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني حينها، باستمرار تصدير السلاح. وعُثر على قنابل «بايفوي» البريطانية في عدة مواقع استُهدفت فيها تجمعات مدنية. وهي نفس القنابل التي استخدمتها بريطانيا في ضرباتها على اليمن في 2024. كما زودت بريطانيا التحالف بالطائرات المقاتلة ودربت القوات الجوية السعودية.

لم يمر دعم بريطانيا للسعودية في حربها المدمرة دون اعتراض، فقد رفعت «حملة مناهضة تجارة السلاح» (CAAT) دعوى قضائية عام 2016 ضد تراخيص تصدير السلاح البريطانية للسعودية. وأجبر المراجعة القضائية الحكومة على إعادة تقييم قراراتها بشأن صادرات السلاح، ما أدى إلى تعليق إصدار تراخيص جديدة قرابة عام بين 2019 و2020. وهناك قضية مماثلة حالياً ضد تصدير السلاح البريطاني لإسرائيل.

أما الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة واليمن فتم تنفيذها أيضاً باستخدام أسلحة غربية، خصوصاً مقاتلات «إف-35». وبالرغم من أن المقاول الرئيسي للطائرة هو شركة «لوكهيد مارتن» الأمريكية العملاقة، إلا أن 25% من قيمة كل طائرة يُنتج في أوروبا، وأكثر من 15% من كل طائرة – بما في ذلك النسخة التي تستخدمها إسرائيل – يُصنّع في بريطانيا.

يقول سام بيرلو-فريمان، منسق الأبحاث في «CAAT»: «لقد عانى اليمن سبع سنوات من القصف الوحشي والحصار من قبل السعودية المدعومة بريطانياً، والآن يواجه قصفاً عشوائياً جديداً من الولايات المتحدة وإسرائيل، مرة أخرى بطائرات تصنّع جزئياً في بريطانيا. تبرر الحكومة البريطانية استمرار تزويد إسرائيل بمكونات الـF-35 بحجة أنها توفر الأمن والسلام للعالم، لكنها اليوم لا توفر سوى الموت والدمار».

دوافع مزدوجة

هل حققت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل أهدافها العسكرية في اليمن؟ الصحفي اليمني علي مياس يشكك في ذلك. بل يرى أن «ما تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا من استهداف مواقع الحوثيين لا يضعف قدراتهم العسكرية، بل يزيدها!»

وتُظهر بيانات الهجمات في البحر الأحمر، التي جمعها مشروع «ACLED»، أن أغلب ضربات الحوثيين جاءت بعد يناير 2024، مع أعلى كثافة في يونيو 2024. ولم تقع أول حالة وفاة من هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر إلا بعد بدء الضربات الأمريكية والبريطانية ضد اليمن. وبالإجمال، أسفرت هجمات الحوثيين عن مقتل أربعة من طواقم السفن وغرق سفينتين.

واستغل الحوثيون هجماتهم دعائياً لتعزيز تجنيدهم؛ إذ ارتفع عدد مقاتليهم من نحو 220 ألفاً عام 2022 إلى نحو 350 ألفاً بحلول أواخر 2024. كما وسّعوا ترسانتهم، وجمعوا أسلحة أكثر تطوراً، بعضها مصنوع محلياً وبعضها يأتيهم من إيران.

وترى الصحفية والمتحدثة باسم «مشروع بيانات اليمن» أيونا كريغ أن للحوثيين دافعين أساسيين وراء هجماتهم في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023: أحدهما التزامهم المعلن تجاه القضية الفلسطينية، والآخر مصلحتهم الذاتية. وتقول: «يمكن أن تكون الحقيقتان صحيحتين في الوقت نفسه».

ورغم سيطرة الحوثيين اليوم على معظم المراكز السكانية في اليمن، لم يظهروا أبداً سياسة خارجية معقدة، إذ تشير لاكنر إلى أن مواقفهم المعلنة تقتصر على معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل، ويتجلى ذلك في شعارهم «الصرخة»: «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، الذي ظهر في بدايات الألفية بالتزامن مع «الحرب الأمريكية على الإرهاب» وأخبار الانتفاضة الثانية وقمع إسرائيل للفلسطينيين.

ومن المعروف أن اليمنيين عامة يدعمون بقوة القضية الفلسطينية؛ إذ تؤكد لاكنر أن أول إضراب علني ضد الاستعمار البريطاني في عدن عام 1947 كان احتجاجاً على السياسات البريطانية المؤيدة للصهيونية في فلسطين.

لكن في المقابل، ثمة الكثير من الانتهازية في تحركات الحوثيين. وبحسب كريغ فإن الحوثيين «يحتاجون الحرب للبقاء». ففي الأسابيع التي سبقت هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، اندلعت أولى الاحتجاجات الحقيقية ضد حكم الحوثيين في صنعاء، أعقبها قمع عنيف. وتوضح: «في أوقات السلم، يواجه الحوثيون مشكلات حقيقية في الحكم تتعلق بالاقتصاد والفساد ومنح الامتيازات للأشراف – أي الذين يثبتون نسبهم للنبي محمد – ما يتيح لهم تولي المناصب والحصول على فوائد اقتصادية. الحوثيون اعتادوا الحرب طوال 20 عاماً، وبدونها سيصعب عليهم المحافظة على سلطتهم».

وتضيف كريغ أن الحوثيين وجدوا دعماً واسعاً من اليمنيين لهجماتهم ضد إسرائيل: «المثير أنه حتى أولئك المعارضين للحوثيين أو الذين قاتلوهم أو خسروا أراضٍ لصالحهم، دعموا ما يفعله الحوثيون بسبب ما يجري في غزة، وبسبب تجاهل دول المنطقة». لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن الحوثيين لا يتمتعون بأي «أرضية أخلاقية».

ويذهب مياس أبعد من ذلك بقوله إن الغالبية العظمى من الانتهاكات التي وثقتها المنظمات في حرب اليمن ارتكبها الحوثيون، مشيراً إلى تسارع القمع ضد المعارضين ومنظمات المجتمع المدني منذ 2021، بما في ذلك زراعة الألغام، تجنيد الأطفال، والاعتقال التعسفي لعشرات الموظفين في الأمم المتحدة ومنظمات محلية. ويقول: «لا يمكن للحوثيين أن يكونوا مدافعين عن حقوق الإنسان في الوقت نفسه».

استراتيجية أفضل

بدلاً من إسقاط القنابل على اليمن، ما البدائل التي كان يمكن اللجوء إليها لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟ تلك الهجمات لم تؤثر فقط على الشحن بين آسيا وأوروبا، بل شكلت تحدياً لهيمنة الولايات المتحدة في المنطقة. ترى كريغ أن الجواب واضح: «وقف إطلاق النار في غزة – هذا ما أوقف الهجمات».

ففي 19 يناير، يوم بدء وقف إطلاق النار في غزة، أرسل الحوثيون بريداً إلكترونياً لشركات الشحن أعلنوا فيه رفع «العقوبات» عن السفن، ما عدا تلك المسجلة في إسرائيل أو المملوكة بالكامل لإسرائيليين. وهددوا باستئناف الهجمات إذا انتهكت إسرائيل الاتفاق مع حماس. كما أفرجوا أخيراً عن طاقم سفينة «جالاكسي ليدر» التي احتجزوها منذ نوفمبر 2023.

منذ البداية، اشترط الحوثيون وقف إطلاق النار في غزة وتقديم مساعدات إنسانية إليها لوقف هجماتهم. وخلال الهدنة لم تُسجل أي ضربات حوثية في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل.

رغم ذلك، واصلت بريطانيا والولايات المتحدة محاولاتهما لفرض تأمين ممرات الشحن بالقوة، بينما استمرا في تزويد إسرائيل بالسلاح في حربها على غزة.

تاريخياً، كانت السياسة الخارجية البريطانية تجاه اليمن غير فعالة وذات أولويات مشكوك فيها، لكن في يناير 2024 بدا أن هناك إجماعاً مفاجئاً في المؤسسات البريطانية على ضرورة التدخل العسكري.

وفي بريطانيا، لا يشترط القانون الحصول على موافقة برلمانية لاستخدام القوة في الخارج، ويُكتفى بأن يتم إبلاغ زعيم المعارضة وقادة البرلمان قبل شن الضربات. وعقب هجمات يناير، طالب البعض بعقد جلسة طارئة، ما أدى إلى مناقشة في البرلمان في 15 يناير، أي بعد ثلاثة أيام من الموجة الأولى للضربات وسبعة أيام قبل الثانية. وخلال المناقشة، أيد كير ستارمر، زعيم المعارضة حينها، الغارات. وهكذا اتفق قادة الحزبين الرئيسيين.

أظهر استطلاع للرأي أجرته «يوغوف» بعد الهجمات تأييداً طفيفاً من البريطانيين للضربات الجوية على اليمن. لكن تأييد الرأي العام للحروب غالباً ما يُصنع عبر الإعلام. فقد بدت بعض الصحف متحمسة بشدة، ووصفت «ديلي ميل» الهجمات بأنها «اليمن الملتهب لبيدن».

لا تزال ذاكرة حرب العراق حاضرة في أذهان كثير من البريطانيين؛ إذ تمت الموافقة على غزو العراق في البرلمان عام 2003 بناءً على أكاذيب رغم المعارضة الجماهيرية. بينما شهدت العمليات العسكرية لاحقاً مثل ضرب داعش في العراق وسوريا في 2014-2015 نقاشات برلمانية، أما في 2018 فقُصفت منشآت كيميائية في سوريا من دون مشاورة البرلمان. كذلك، جرى التصويت على التدخل في ليبيا بأثر رجعي. لكن في حالة قصف اليمن لم يجرِ حتى نقاش برلماني قبل تنفيذ الضربات.

وترى كريغ أن غياب النقاش الديمقراطي المستنير يعكس استمرار فشل السياسة الخارجية البريطانية في اليمن. وتضيف: «الحكومة البريطانية لطالما قللت من الحوثيين. عندما كنت أعيش في اليمن أواخر 2014، كان الموقف الدولي: “سيكون الأمر على ما يرام! ليس وكأن الحوثيين سيدخلون صنعاء، أليس كذلك؟” وبالطبع دخلوا! كان هناك دائماً استخفاف بالحوثيين».

وتتابع: «الحكومة البريطانية تعطي الأولوية لمكافحة الإرهاب، وعلاقاتها بالسعودية وإسرائيل، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر على حساب أي اعتبار آخر في اليمن». وترى كريغ أن لندن تفضل الحلول العسكرية على العمليات السياسية التي يمكن أن تحقق استقراراً حقيقياً.

وتختم: «يريدون فقط أن يظهروا دعمهم للولايات المتحدة من دون المخاطرة كثيراً». وربما من الأسهل على بريطانيا قصف اليمن بدلاً من الدفع نحو هدنة في غزة، والتي قد تصنع فارقاً حقيقياً لكنها قد تضر بعلاقاتها مع واشنطن وتل أبيب. وبحسب مشروع بيانات اليمن، لم تُسجل أي ضربات أمريكية أو إسرائيلية على اليمن خلال وقف إطلاق النار في غزة، لكنها استؤنفت لاحقاً.

يبقى مياس متفائلاً بإمكانية بناء دولة يمنية تخدم اليمنيين وتكرس مؤسسات تحترم حقوق الإنسان والقانون الدولي، لكنه لا يتوهم سهولة ذلك. فالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لا تسيطر على معظم البلاد، تفتقر للشرعية الحقيقية، وتعتمد بشدة على داعميها في السعودية والإمارات. ويقول: «عانى اليمن من الإهمال والدمار لعشر سنوات. لم يهتم أحد لأننا بعيدون جداً عن أولئك الذين يسيطرون على النظام الدولي».

وبغض النظر عمن يحلق في سماء اليمن – سواء كانوا طيارين بريطانيين أو أمريكيين أو سعوديين أو إسرائيليين – فإن القنابل التي تسقط والطائرات التي تحلق لم تجلب سوى الموت والدمار، ودافع دافعو الضرائب في تلك الدول ثمنها. ففي 2014 بلغ سعر كل قنبلة «بايفوي IV» 93 ألف دولار، واليوم يُرجح أن السعر أعلى بكثير. وذكرت CNN أن تكلفة العمليات الأمريكية ضد الحوثيين بلغت مليار دولار خلال ثلاثة أسابيع في مارس وأبريل 2025.

لقد تصرفت بريطانيا باستمرار بسوء نية في اليمن، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك دون ضغوط شعبية كبيرة. وقد دعا نشطاء الحكومتين البريطانية والأمريكية إلى فرض حظر مزدوج على تصدير السلاح لإسرائيل للضغط عليها لوقف إطلاق النار في غزة ووقف الهجمات على اليمن. لكن مع استمرار وسائل الإعلام الرئيسية في الترويج للهجمات على اليمن، وحملات القمع ضد النشطاء والصحفيين المعارضين للإبادة، يبقى الأمل في التغيير معقوداً على الدعاوى القضائية، والنقابات العمالية، وحملات المقاطعة، والحراك الشعبي، والاحتجاجات.

 

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.