تقارير
تواطؤ أممي وتحايل حوثي.. كيف تحولت "نوتيكا" إلى منصة لتهريب النفط وتمويل الحرب؟
كانت السفينة «صافر» العائمة قرب سواحل اليمن في البحر الأحمر تُعد قنبلة موقوتة، لكن بفضل الأمم المتحدة، تحولت إلى قنبلتين، وفوق ذلك أصبحت أداة جديدة لتعزيز اقتصاد ميليشيا الحوثي الحربي، ووسيلة لتربّح الموظفين الأمميين، ومحطة لعبور النفط الإيراني والروسي المهرّب.
هذه الأداة هي السفينة «نوتيكا» التي جاءت بديلاً لـ«صافر»، إذ لم يكتفِ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتوفير السفينة الجديدة وتسليمها للحوثيين، بل استمر في تشغيلها بتكلفة تقارب نصف مليون دولار شهريًا.
وكشفت تقارير أن الأمم المتحدة تدفع رواتب طاقم السفينة والشركة المشغلة لها، لكنها في الوقت ذاته تدّعي ألا علاقة لها بالعمليات الجارية على متنها.
هذا التناقض بين التصريحات والوقائع يشير إما إلى فشل إداري في تقدير المخاطر وتوقّع الاستغلال، أو إلى علم مسبق بواقع سيطرة الحوثيين على شركة صافر وإمكانية استخدام السفينة لأغراض غير قانونية مثل تهريب النفط وتمويل شبكات إقليمية، ما يعني تواطؤًا في تسهيل العملية وتمويلها من الأموال التي تجمعها الأمم المتحدة وتُحسب ضمن مساعدات لليمنيين.
وسيلة ربح أممية
يقول الأكاديمي ورئيس حملة «لن نصمت»، الدكتور عبد القادر الخراز، إن هناك بيانًا رسميًا صادرًا عن شركة صافر الحكومية ومكتبها الرئيسي في مأرب، يوضح أن المكتب التابع للشركة الواقع تحت سلطة ميليشيا الحوثي لا يتبعها ولا تتحمل الشركة أي مسؤولية قانونية عما يقوم به ذلك المكتب وما تقوم به الميليشيا.
وأضاف: «الأمم المتحدة، وعبر برنامجها الإنمائي، ارتكبت خطأ كبيرًا وتحايلاً وتضليلًا، إذ تزعم أنها سلّمت السفينة (نوتيكا) البديلة لـ(صافر)، لكن عندما نرجع إلى الوثائق نجد أن من وقّع عقد تشغيل السفينة مع الشركة البلجيكية هو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نفسه، وليس شركة صافر التي يدّعي البرنامج الأممي أنه سلّمها الباخرة».
وتابع: «الأمم المتحدة استخدمت الموارد، التي هي في الأصل مساعدات للشعب اليمني، في هذا الإطار. والمبلغ الذي كشفناه هو جزء فقط من العقد، وليس العقد كاملًا، إذ يبلغ 450 ألف دولار شهريًا، يغطي رواتب الطاقم المكوّن من 12 شخصًا مع القبطان إلى جانب بعض العمليات التشغيلية على الباخرة».
وأضاف: «الأمم المتحدة ما زالت حتى الآن منخرطة بشكل أساسي في تشغيل هذه السفينة، عن طريق الشركة البلجيكية التي تشرف على الطاقم في دخولهم وخروجهم حتى إلى اليمن».
وأكد: «الوثائق التي لدينا تثبت ذلك، وتشمل أسماء الطاقم وأرقام جوازاتهم، والأمم المتحدة هي من ترتب كل هذه الأمور».
تهريب النفط الخام
يقول الصحفي الاستقصائي فاروق الكمالي، إن التقرير الذي نشرته منصّة «يوب يوب» لتدقيق المعلومات والمصادر المفتوحة، رصد ناقلة النفط «ستار 1» التي كانت متواجدة في ميناء رأس عيسى منذ أكثر من شهرين، وقد أغلقت إشارتها وخرجت من الميناء واتجهت إلى جوار السفينة العائمة «نوتيكا». وهناك، عملت قوارب أو لنشات على ترسيتها بالقرب من الخزان لمدة يومين، قبل أن تعود مجددًا إلى رأس عيسى.
وأضاف: «خروج السفينة من رأس عيسى إلى السفينة (نوتيكا) أكد لنا دون أي شك أن الحوثيين يقومون بتهريب النفط الخام من السفينة (نوتيكا) إلى رأس عيسى، ثم ينقلونه عبر القاطرات إلى مصافٍ بدائية ليبيعوه في الأسواق».
وتابع: «هذه هي المشكلة الكبيرة التي تسببت في تلف آلاف السيارات في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين بسبب النفط الملوث، الذي كان يظن البعض أنه قادم من روسيا أو إيران».
وأردف: «الحوثيون يبحثون حاليًا عن خزان لتخزين المشتقات النفطية القادمة من روسيا وإيران، لكن خزان (نوتيكا) مملوء بالنفط الخام وبحاجة أولًا إلى تفريغه، لذلك يقومون بتفريغه بين الحين والآخر من خلال إطفاء إشارات بعض السفن».
وأضاف: «أما خزان (صافر) العائم، فتستخدمه جماعة الحوثي لتخزين الديزل كمخزون استراتيجي، وقد تم إصلاح هذا الخزان، وهذه معلومات مؤكدة 100%».
وأشار إلى أن خزان «نوتيكا» (الذي جرى تغيير اسمه لاحقًا إلى «يمن») ما زال ممتلئًا بالنفط الخام، بكمية تتجاوز المليون برميل، ويتم حاليًا استخراج هذا النفط وتكريره بمصافي بدائية ونقله للاستهلاك المحلي، وحين يتم التخلص من هذا النفط سيُستخدم الخزان لتخزين المشتقات النفطية القادمة من روسيا والصين.
البروتوكولات الأممية غائبة في اليمن
يقول الباحث السياسي الدكتور عبدالوهاب العوج إن التواطؤ الأممي قائم منذ انقلاب الحوثي، ويُعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أكثر المتواطئين والمفرّطين، إلى جانب أن نفقاته التشغيلية مرتفعة جدًا.
وأضاف: «خزان (نوتيكا) يشكل قنبلة موقوتة بجانب (صافر)، واليمن حتى الآن لم يتخلص من المشكلة».
وأوضح: «بروتوكولات الأمم المتحدة لا تُطبَّق في اليمن، سواء في البرنامج الإنمائي أو في برنامج الغذاء العالمي أو في برامج أخرى تابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية عمومًا».
وأردف: «هناك خلل واضح سببه هشاشة وضعف المكونات والمسؤولين في الإدارات التنفيذية للحكومة الشرعية، إذ نرى عجزًا في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ووزارة المياه والبيئة، ووزارة النفط، ووزارة الخارجية، التي جميعها سيئة التنفيذ والعمل ولا تواجه الحوثي بما يجب، ما جعل الحوثي ميليشيا عابرة».
وأكد أن المعركة مع الحوثي ليست عسكرية فقط، بل متعددة الأوجه، ويجب أن تلزم المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمات الأمم المتحدة، بتطبيق بروتوكولات التشغيل.
وأضاف: «هذا العبث المستمر منذ سنوات دليل على ضعف واضح في الحكومة الشرعية، وكذلك لدى الأشقاء في المملكة العربية السعودية الذين يشاركوننا البحر الأحمر، وسيتضررون مثلنا من أي كارثة بيئية».