تقارير

تسليم النفط والاتصالات والجزر والموانئ للإمارات.. ماذا بقي من السيادة اليمنية؟

19/11/2023, 09:20:13

قناة بلقيس: عبد السلام قائد

 التنازلات والصفقات المشبوهة، التي تقدمها الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي لدولة الإمارات، تعد ظاهرة غير مسبوقة سواء في تاريخ العلاقات الدولية أو فساد السياسيين أو حتى في تاريخ خيانات الأوطان والتنازل عن جزرها وموانئها ونفطها والقطاعات الحيوية فيها كالاتصالات ومصافي تكرير النفط وغير ذلك، علما أن معظم الحروب بين الدول والحروب الأهلية اندلعت بسبب خلافات على الثروات أو ممارسات منتهكة للسيادة، إلا في اليمن يتنازل المسؤولون عن سيادة البلاد وثرواتها مجانا لدولة هي في الأساس معادية للبلاد ولوحدتها ولنظامها السياسي.

والمحير في الأمر هو كيف أن النخبة السياسية التي صعدت إلى السلطة تبدو على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالتنازلات وصفقات بيع الثروات والقطاعات السيادية، ولم يظهر من بين المسؤولين من يعترض على تلك التنازلات أو يكشف خفاياها أو على الأقل يقدم استقالته من منصبه احتجاجا على تنازل الحكومة ومؤسسة الرئاسة عن سيادة البلاد وبيع ثرواتها السيادية بأثمان بخسة وبطريقة مخالفة للدستور والقوانين والتشريعات ولم يصادق عليها البرلمان أو يقرها، بل فالحكومة تتحدى البرلمان كلما أبدى اعتراضه على تلك الصفقات المنتهكة للسيادة الوطنية.

- توالي الصفقات والتنازلات

بعد صمت الحكومة اليمنية الشرعية ومؤسسة الرئاسة عن انتهاكات التحالف السعودي الإماراتي للسيادة اليمنية، مثل السيطرة على الموانئ والمطارات والجزر اليمنية وإقامة قواعد عسكرية فيها، وأيضا إنشاء مليشيات وتشكيلات مسلحة لا تخضع لوزارة الدفاع، تتوالى التنازلات والصفقات المشبوهة التي تقدمها الحكومة اليمنية لدولة الإمارات، والتي كان آخرها عقد صفقة مع شركة إماراتية لتسويق النفط اليمني في شبوة وحضرموت بثمن بخس، بعد منح الشركة ذاتها ترخيص إنشاء مصفاة تكرير المشتقات النفطية وصهاريج خزن ومنطقة صناعية حرة في منطقة الضبة بمحافظة حضرموت.

وتأتي صفقة بيع النفط بثمن بخس وبشكل يخالف القوانين واللوائح في وقت ما تزال تتردد فيه أصداء بيع شركة عدن نت للإمارات في أوساط اليمنيين لتجاوزها التشريعات واللوائح المنظمة للعمل في قطاع الاتصالات، فضلا عن أنه سيترتب على ذلك الوصول إلى بيانات المواطنين وانتهاك خصوصياتهم والتنصت على المسؤولين، وأيضا التجسس على المعارضين للإمارات وللانفصال وملاحقتهم واغتيالهم، أو اختطافهم وإخفائهم في السجون، بالإضافة إلى حرمان الحكومة اليمنية من موارد مالية كبيرة ستؤول لمصلحة الإمارات بسيطرتها على النطاق الترددي لليمن، مثل رسوم عبور السفن والطائرات واتصالاتها، وغير ذلك. 

- تقنين سرقة النفط عبر شركة غير نفطية

قبل انقلاب مليشيا الحوثيين على السلطة الشرعية، كان مجموع ما يصدره اليمن من النفط 259 ألف برميل يوميا. وبالرغم من ضآلة الإنتاج والكميات المصدرة، فإن النفط كان يمثل 70 في المئة من إيرادات البلاد، و90 في المئة من الموازنة العامة للدولة، وهنا يمكن تصور حجم الكارثة الناجمة عن تعطيل التحالف السعودي الإماراتي لموارد البلاد بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، ثم الحديث عن منع الحوثيين الحكومة من استئناف تصدير النفط من خلال تهديد ناقلات النفط بواسطة الطائرات المسيرة. 

وفي حين حُرِم اليمنيون من ثروات بلادهم، بدأت دولة الإمارات بنهب نفط اليمن بطرق احتيالية، قبل أن تتجه أخيرا لتقنين نهب النفط من خلال اتفاقية مجحفة مع الحكومة اليمنية عبر شركة لا علاقة لها بالاستثمارات النفطية، تدعى شركة "مليح"، وهي شركة مقاولات إماراتية في مجال البناء، وهو ما يثير الشكوك أكثر بشأن النوايا الحقيقية لدولة الإمارات حيال اليمن في المستقبل القريب.

وتأتي محاولات الإمارات لتقنين نهب النفط اليمني، بعد أشهر قليلة من الكشف عن أساليب نهبها نفط البلاد، ففي فبراير الماضي، كشف تحقيق لمنصة "إيكاد" عن نهب الإمارات لنفط اليمن من خلال عمليات معقدة باستخدام عدة ناقلات تخفي جميعها بياناتها وإشاراتها عن برامج الملاحة، موضحا مسار السفن التي تنهب النفط من اليمن إلى دول أخرى عبر ميناء الزبير في العراق. ولفت التحقيق إلى أن السفن الإماراتية تنقل النفط من ميناء رضوم في شبوة إلى عدن، ثم تخلطه بنفط مجهول المصدر وتنقله من موانئها إلى ميناء خور الزبير في العراق، الذي يعد بؤرة تهريب النفط من وإلى دول عدة.

- نهب موارد وإيجاد بنية تحتية للانفصال

 من أهداف التحالف السعودي الإماراتي الرئيسية في اليمن إفقار البلاد وإضعافها وتفتيتها، وهذا ما تؤكده أفعال التحالف منذ بداية عملية "عاصفة الحزم" وإلى اليوم، وبالتالي فكل ممارسات التحالف تصب في خدمة تلك الأهداف، فنهب الموارد السيادية وتبديدها من شأنه جعل البلاد في حالة فقر دائم وبحاجة مستمرة للمساعدات الخارجية والقروض التي ستنهك الأجيال المقبلة.

كما أن هدر الموارد سيعطل التنمية وسيوجه التحالف بعض تلك الموارد لتمويل أطراف الصراع والتحفيز على استمرار القتال والخلافات البينية، وبفعل هدر الموارد سينهار المجتمع وسيتفشى الفقر والجوع والبطالة، وستعجز الدولة عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها وبالتالي تآكل شرعيتها ومساواتها بالمليشيات التي تسيطر على مساحات واسعة من البلاد دون القيام بواجباتها تجاه المواطنين كسلطات أمر واقع. 

وفيما يتعلق بصفقة بيع شركة "عدن نت" للإمارات وما تضمنته اتفاقية بيع الشركة من بنود مجحفة، فإن ذلك ينطوي عليه عدة مخاطر أمنيا واقتصاديا، فالاتصالات قطاع حيوي سيادي ويمثل أحد الموارد الرئيسية للدولة، والسيطرة عليه من جانب جهة خارجية يعني حرمان الدولة من تلك الموارد لمصلحة الجهة الخارجية. 

كما أن تسليم النطاق الترددي لليمن لجهة خارجية سيمكن تلك الجهة من الاستفادة من رسوم عبور الطائرات فوق الأجواء اليمنية وأيضا رسوم اتصالات السفن والطائرات عبر ذلك الطيف الترددي، بالإضافة إلى التجسس على مكالمات المواطنين والمسؤولين والإعلاميين والناشطين والمعارضين السياسيين وتتبع تحركاتهم، وسيسهل ذلك من عمليات الخطف والاعتقال والابتزاز وتسريب مكالمات عبر وسائل الإعلام. 

يضاف لذلك أن إنشاء شركة اتصال جديدة في المحافظات الجنوبية والشرقية، وإنشاء طيف ترددي جديد، من جانب دولة تدعم مشروع الانفصال، وأيضا تسليمها حقول النفط لاستخراج النفط وتصديره أو تكريره وبيعه في السوق المحلية، كل ذلك يعد بنية تحتية للانفصال، ولا يمكن لدولة انفصالية أن تنهض إلا وهي مسيطرة على أهم القطاعات الحيوية كالنفط والاتصالات وغيرها.

وهو ما تعمل عليه الإمارات تحت لافتة الاستثمار، بينما الحقيقة هي نهب ثروات البلاد والإعداد لمشروع الانفصال، وحماية ذلك المشروع من خلال القواعد العسكرية المتمركزة في بعض الجزر وبعض مدن جنوبي البلاد وشرقها، وقد يشمل ذلك إجراء تعديلات على الحدود الشطرية التي كانت قائمة قبل عام 1990، مثل ضم مدينة المخأ للدولة الشطرية، التي تتمركز فيها قوات مدعومة إماراتيا معظمها جنوبية، وإنشاء مطار عسكري فيها بلافتة مدنية، وذلك لتأمين السيطرة على مضيق باب المندب.

 - ماذا بقي من تنازلات؟

ليس بالأمر الهين ما يجري في اليمن من انتهاك لسيادة البلاد من جانب التحالف السعودي الإماراتي وبتواطؤ من الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي، فالتحالف سيطر على الجزر والموانئ وبعض المدن الحيوية، وعزل السلطة الشرعية وجاء بسلطة بديلة من تعيينه هو، وحشر نفسه حتى في تعيين الوزراء وقادة المناطق العسكرية ومدراء أقسام الشرطة وغيرهم، وأنشأ تشكيلات مسلحة غير نظامية، ونفذ اغتيالات سياسية واعتقل كل من يعارضه.

أيضا فرض التحالف سيطرته على موارد البلاد، وعمق الانقسامات بين مختلف المكونات اليمنية، وأنشأ كيانات من العدم لا تكتسب أي صفة قانونية وفتح شهيتها للمال والسلطة، وعطل موارد البلاد ودمر الاقتصاد الوطني والعملة المحلية، ثم بدأ بنهب الموارد قبل أن يتجه أخيرا لعقد صفقات مجحفة مع الحكومة ومؤسسة الرئاسة لقوننة النهب وتوسيع نطاقه، والمضي بخطى متدرجة لدعم مشروع الانفصال، بتواطؤ من الحكومة والمجلس الرئاسي، فما الذي بقي إذن من السيادة اليمنية؟!

تقارير

كيف وصلت مليشيا الحوثي إلى بناء الثروة التي توجهها لتمويل أعمالها العسكرية؟

تقرير فريق خبراء مجلس الأمن الدولي المعني باليمن يكشف عن استغلال مليشيا الحوثي كافة موارد الدولة، وفرض الإتاوات غير القانونية، والاستيلاء على أصول ورؤوس أموال خصومها السياسيين لبناء اقتصادها الخاص.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.