تقارير
بحُجة التهريب.. هكذا حوّل الحوثيون حقائب السفر إلى أدوات عقاب
الساعة السادسة صباحاً، انطلقت رحلة العودة من وسط مدينة تعز إلى صنعاء على متن حافلة متوسطة بعد أن استكملت الحمولة بـ16 راكباً، لتبدأ رحلة مليئة بالمنغصات والمعاناة على طريق يتقاسمها أطراف الصراع.
محمد قائد، وعائلته المكونة من الزوجة وسبعة أبناء، كانوا إحدى العائلات العائدة بعد قضاء إجازة عيد الأضحى مع الأهل المقيمين في مناطق متقاربة جغرافياً، إلا أن الحرب قطّعتها وجعلتها لا تتصل ببعضها إلا عبر مسارات وطرق طويلة وملتفّة.
معاناة لا تنتهي
داخل الحافلة، كان الناس يحمدون الله على فتح طريق الحوبان - جولة القصر، والتخلص من طريق الأقروض الوعرة التي تستهلك ما يصل إلى خمس ساعات وأكثر في حالة الاختناقات والاكتظاظ، علاوة على الإجهاد والتعب الذي كان ينالهم فيها.
يقول قائد: "مع دخول الحافلة مناطق مليشيا الحوثي ظهرت معاناة من نوع آخر، تمثلت في إجراءات التفتيش المعقَّدة والمهينة للحقائب والمستلزمات الأخرى؛ بحثاً عن أدوية قد يحملها المسافرون معهم إلى صنعاء".
ويؤكد أنه "على الرغم من التفتيش في النقاط الأولى بعد الخروج من المدينة، إلا أن الإجراءات استمرت في كثير من الحواجز الأمنية على طول الطريق حتى نقطة 'يَسْلِح' مدخل محافظة صنعاء".
ليس قائد إلا واحدٌ من آلاف المسافرين الذين يعيشون المعاناة ذاتها عند العودة من محافظات الحكومة الشرعية إلى المحافظات التابعة للحوثيين على متن وسائل النقل العامة، ويقضون ساعات طويلة في الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة بحٌجة منع تهريب الأدوية.
وصل قائد وعائلته إلى صنعاء حوالي الساعة الرابعة عصراً، وهو مثقل بالشعور بالإرهاق الجسدي والنفسي؛ نتيجة لعشر ساعات متواصلة من السفر، في طريق كان يقطعها المسافر خلال خمس ساعات على وسائل النقل العامة.
حرب على الطرقات
منذ اندلاع الحرب في اليمن، نهاية العام 2014، بين الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي، والحوثيين المدعومين من إيران، تحوَّلت النقاط الأمنية إلى مصدر قلق للمسافرين، وقُيَّدت حركة التنقّل بين المحافظات، وارتُكبت فيها الكثير من الانتهاكات الحقوقية والإجراءات التعسفية.
وكشفت التقارير السنوية لفريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، أصنافاً من الممارسات غير القانونية التي تُرتكب في حواجز التفتيش، كالاعتقالات التعسفية، والتفتيش غير القانوني للجوالات والمتعلقات الشخصية، والمعاملة السيِّئة للنساء، ومنعهن من السفر إلا بمحرم، واحتجاز وإخفاء مئات اليمنيين بدون مسوِّغات قانونية، والابتزاز، وأخذ الرشاوى من السائقين.
وبحسب تقرير "الحرب على طرق اليمن" الذي نفذه مركز "صنعاء للدراسات الإستراتيجية"، فإن نقاط التفتيش تفتقر إلى إجراءات موحّدة ومعايير مهنية لأفراد الأمن والجيش العاملين فيها، مما يجعل المسافرين عُرضة للتفتيش والاستجواب والاحتجاز التعسفي.
وأوضح التقرير أن رحلات الأشخاص، الذين يسافرون بالحافلات، تستغرق وقتاً أطول؛ لأن فحص أمتعة كل راكب وهويته يتم من قِبل القوات عند نقاط التفتيش.
الطرقات بين المحافظات لم تُستخدم فقط كمصيدة للمسافرين الذين صاروا يتجنّبون السفر خشية التعرُّض للاعتقال، بل تحوّلت إلى وسيلة حرب وحصار للمدن، مما جعل الناس يسلكون طرقاً جبلية وعرة لساعات طويلة قبل الوصول إلى وجهتهم، كما هو الحال في تعز والضالع والحديدة، وغيرها.
الاستحواذ على سوق الأدوية
على الرغم من انفراجة فتح بعض الطرق الرئيسية، التي ظلت مغلقة لسنوات، إلا أن معاناة الناس لم تتوقف، وتصاعدت الممارسات التي تمتهن المسافرين، وخاصة في وسائل النقل العامة والحافلات التي يتهم الحوثيون مالكيها والمتنقّلين فيها بتهريب الأدوية من المحافظات المحررة إلى المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.
النقاط الأمنية للحوثيين تدَّعي أن الإجراءات تهدف إلى مكافحة التهريب بشكل عام، إلا أن الواقع يوضِّح أن تركيزها ينصب على المستلزمات الطبية بشكل رئيسي، ويقوم الأفراد بتفتيش دقيق لحقائب المسافرين وحتى شِنط صابون "الكريستال"، التي يستخدمها اليمنيون كحقائب سفر؛ نظراً لوضعهم المعيشي الصعب، كما يؤكد المواطن عبدالناصر سفيان.
ويرجع عضو في نقابة الصيادلة بصنعاء (رفض الكشف عن هويته) أسباب الإجراءات المشددة في الطرقات لمنع دخول الأدوية إلى تحوّل هذا القطاع إلى رافد مالي كبير لبعض قيادات المليشيات التي سيطرت على سوقه، وشددت قبضتها عليه.
ويوضح عضو النقابة أن "أغلب الشركات، التي كانت تعمل في تجارة الأدوية في اليمن قبل الحرب، غادرت البلاد أو أفلست، وظهرت في السوق أسماء جديدة محسوبة على الحوثيين ومقربة منهم".
ويرى أن "التشديد في منع دخول الأدوية من عدن أو تعز يرجع أيضاً إلى أن أسعارها في المحافظات التابعة للشرعية أرخص إذا أخذنا بالاعتبار فارق سعر الصرف، ولهذا يمثل دخولها تهديداً لهم لاسيما إذا كانت الكميات كبيرة".
تفتيش دقيق
عبدالناصر سفيان، العائد من محافظة تعز بعد زيارة قصيرة لاستخراج جواز السفر قبل عيد الأضحى، يوضح أن "التفتيش لمقتنيات المسافرين كان دقيقاً وفجّاً، وفيه نوع من الاستعلاء والامتهان من قِبل العسكريين التابعين للحوثيين، الذين طرحوا عليهم الأسئلة حول وجود أدوية داخل الأمتعة بشكل خاص".
يقول سفيان: "التفتيش لم يقتصر على حقائب المسافرين فقط، وإنما تعداه إلى تفتيش هيكل الحافلة وجوانبها من خلال إدخال دسمس (مفتاح براغي) في فتحات الهيكل والبحث أسفلها أيضاً".
ويضيف أنه عندما سأل الجندي عن أسباب الفحص الدقيق، أخبره أن بعض السائقين يخفون الأدوية المهربة في جسم الحافلة أو تحتها، أو يوزعونها على حقائب المسافرين.