مقالات
هل يسمع المجلس الرئاسي صرخات "ثورة النسوان"؟
في ظلّ الانهيار الاقتصادي المطبق والتردي الكارثي للخدمات في اليمن، يطل صوتٌ جديدٌ ومُدوٍّ من عمق المعاناة: صوت النساء. فبينما اعتاد البعض على الوضع المزري الحالي، تتصاعد "ثورة النسوان"، مؤكدة أن أوجاع الحياة اليومية قد تجاوزت قدرة الصبر، وأن صوت المرأة بات أقوى وأكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
لم تعد المعاناة حبيسة البيوت والمخاوف الفردية. ففي عدن، العاصمة المؤقتة، خرجت المئات من اليمنيات في مظاهرة لافتة تحت شعار "ثورة النسوان في عدن"، رافعات لافتات تصرخ بأبسط المطالب الإنسانية: "نريد كهرباء، نريد معيشة، نريد تعليمًا، نريد رواتب، نريد صحة". صرخات تعكس جوهر الأزمة، بعيدًا عن تعقيدات المشهد السياسي.
ولم تكن عدن وحيدة في هذا الحراك. ففي تعز، المدينة المحاصرة والصامدة، خرجت نساءٌ في مسيرة حاشدة ولأكثر من مرة، لينضمين إلى قافلة "ثورة النسوان" التي بدأت تظهر في محافظات أخرى مثل لحج وأبين.
هذا التوسّع يؤكد أن المعاناة ليست حكرًا على منطقة دون أخرى، وأن الأمهات، والزوجات، والأخوات، يتقاسمن نفس الهموم: المطالبة بحياة كريمة وخدمات أساسية في ظل انهيار غير مسبوق لقيمة العملة وواقع مؤلم.
إن تزايد حضور المرأة في واجهة الاحتجاجات يطرح أسئلة جوهرية عن طبيعة الأزمة وتأثيراتها، فالنساء هنّ غالبًا من يتحملن العبء الأكبر لنقص الخدمات. فكل خلل في الخدمات ينعكس بشكل مباشر على أدوارهن الحيوية في إدارة شؤون الأسرة.
ومن زاوية أحرى، يبدو أن الأمل ما يزال حياً عند النساء، ولم يدب اليأس إلى قلوبهن رغم العجز الحكومي. فبحرصهن على المستقبل، يرفضن الاستسلام لليأس، ويسعين لفتح بصيص أمل في ظلام الأزمة.
وقد تتساءل: هل النساء أكثر جراءة في قول الحق بوجه الظالم؟ قد تكون طبيعة أدوارهن الاجتماعية، التي غالبًا ما تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية المباشرة، تمنحهن مساحة أوسع للتعبير عن معاناة إنسانية بحتة، مما يجعل صوتهن أكثر قبولًا وأقل عرضة للتشويه.
تتواصل "ثورة النسوان" وتتصاعد، ومعها تتزايد أصواتهن في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدات أن مطالبهن تُقابل بالتجاهل. ورغم أن المسيرات كانت سلمية، تهدف فقط إلى إيصال صوت المطالبة بالعيش بكرامة وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فقد تعاملت القوات في عدن مع المحتجات بعنف، واستخدمت القوة لتفريقهن، بل وأصدرت قرارًا بمنع أي تجمع عام.
لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لإخماد جذوة الغضب. فبعد إعلان شرطة عدن منع التظاهر، تجددت هذه الانتفاضة الشعبية النسوية، رافعة ذات اللافتات المنددة بتدهور الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات الأساسية.
السؤال اليوم ليس عن قدرة النساء على التظاهر، بل عن قدرة القيادة على السماع. هل سيلتقط مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء هذا الصوت المرتفع من الشارع؟ أم سيستمر التجاهل والعجز في مواجهة "ثورة النسوان" التي قد تتحول إلى بركان لا يمكن السيطرة عليه إذا لم تُلبّ أبسط مطالبها؟.
إن صدى هذه الأصوات شاهد على صمود النساء في وجه أقسى الظروف.