مقالات
تغييب التربويين واستبدالهم بكوادر تتبع الملالي
في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه المدرسة واحةً للعلم والتربية وبناء القيم الإنسانية، تحوّلت اليوم – في مناطق سيطرة جماعة الحوثي – إلى ساحة لتجنيد العقول الصغيرة وتعبئتها بالكراهية والعنف والحقد الزمني الممنهج.
فقد كشفت تقارير محلية أن (72 معلمًا وتربويًا) لا يزالون مختطفين في سجون الحوثيين منذ أربعة أشهر وتزيد، وبعضهم تجاوزت مدة اختطافه العام، وهو ما ترك فراغًا تربويًا خطيرًا داخل المدارس.
هذا الغياب القسري لم يكن مجرد فقدانٍ لمعلمي مادة، بل كان فقدانًا لرموز التربية والاعتدال والقدوة الحسنة التي كانت تشكل الحصن الأخلاقي والفكري أمام الفكر المتطرف الذي تتبناه مليشيات الحوثي في تربية الأطفال.
وبالمقابل، قامت المليشيات باستبدال هؤلاء التربويين بمعلمين موالين لها فكريًا وتنظيميًا، يتولّون مهمة تلقين الأطفال مفاهيم “العنف والإرهاب” تُغلف بعناوين مختلفة تبدأ من الوطنية وتنتهي بالقدس، فتغرس فيهم أفكار الكراهية والاصطفاف الطائفي والعدوان ضد الغير، مستخدمين المناهج الدراسية كأداة لغسل العقول وتشكيل جيلٍ يتقبل العنف كخيار طبيعي.
نتيجة لذلك، بدأ العديد من الآباء وأولياء الأمور يطلقون رسائل التحذير، مؤكدين أن أبناءهم تغيّر سلوكهم بشكلٍ مقلق؛ إذ أصبحوا يميلون إلى العنف، ويتحدثون بلغة الحرب لا بلغة السلام، ويعتبرون القتل بطولة لا كارثة.
هذه التحولات النفسية والفكرية تنذر بمستقبلٍ مظلم، إذ يُربّى جيلٌ كامل على الكراهية بدل الرحمة والقبول بالآخر، وعلى التبعية بدل التفكير النقدي.
إن اختطاف 72 معلمًا يمثل جريمة مزدوجة: جريمة بحقهم كأفرادٍ مظلومين، وجريمة بحق محافظة إب ووطنٍ بأكمله حُرم من رسالته التربوية.
هؤلاء المعلمون لم يكونوا خصومًا سياسيين، بل بناة أجيالٍ ومسؤولين عن غرس القيم والأخلاق. تغييبهم هو تغييبٌ لصوت العقل والضمير في المجتمع.
على المنظمات الحقوقية الدولية، مثل منظمة العفو الدولية (Amnesty International)، أن تتحرك بشكلٍ عاجل لحماية العملية التعليمية من التسييس والتطييف وصناعة العنف، والضغط للإفراج عن جميع المختطفين التربويين، وضمان عودة التعليم إلى مساره الوطني الإنساني بعيدًا عن أي أيديولوجيا متطرفة.
فالأوطان لا تُبنى بالمليشيات ولا بالسلاح، بل بالمعلمين الذين يزرعون في عقول الأطفال قيم السلام، والعدالة، والاحترام، وحب الحياة.