مقالات

الحوثي يبتز السعودية: خطأ إستراتيجي يتحوّل إلى ورطة

02/06/2025, 13:30:37

يتصاعد الابتزاز الحوثي للسعودية يومًا بعد يوم، في مشهد يجسّد أحد أكثر فصول المفارقة السياسية مرارة وسخرية. 

فالجماعة، التي نشأت من رحم الخطأ الإستراتيجي السعودي، باتت اليوم تفرض شروطها على الرياض، وتُناورها من موقع الند، بل وتبتزها علنًا في ملفات تتجاوز الداخل اليمني إلى أمن الخليج نفسه.

لم تكن السعودية، في بدايات الحرب اليمنية (2015)، مجرد خصم للحوثيين، بل كانت، على نحو متناقض، أحد المساهمين في صعودهم.

تبدأ المأساة منذ ستينات القرن الماضي، حيث دعمت الرياض فلول النظام الإمامي بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 التي أطاحت بالإمامة في اليمن.

فقد آوت السعودية شخصيات بارزة؛ مثل بدر الدين الحوثي، والد زعيم الجماعة الحالي عبد الملك الحوثي، وساندتهم في حرب استنزاف ضد النظام الجمهوري استمرت قرابة ثماني سنوات (1962 - 1970) [مركز ويلسون: ثورة اليمن الجمهورية وتأثيرها على السعودية].

في عام 1970، فرضت السعودية مصالحة بين الجمهوريين والملكيين عبر اتفاق جدة، أعادت بموجبها العناصر الملكية إلى السلطة ضمن النظام الجمهوري، مما سمح بتغلغل تدريجي للولاءات الإمامية في مفاصل الدولة اليمنية [الجزيرة: اليمن - تاريخ الصراع]. هذا التحرّك شكّل، عمليًا، بداية انقلاب داخلي على الجمهورية، مهّد لعودة التيار الإمامي بقوة لاحقًا.

في مرحلة لاحقة، وبعد ثورة 2011 في اليمن، دعمت السعودية - بالتعاون مع الإمارات وبدعم أمريكي وبريطاني - بشكل غير مباشر صعود الحوثيين عبر تحالفهم المؤقت مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. كان الهدف إضعاف جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، متوهمة أن هذا التحالف سيبقى تحت السيطرة. لكن الحوثيين، بدعم إيراني متزايد، تجاوزوا هذا التكليف، وسيطروا على صنعاء في سبتمبر 2014، مما أدى إلى انهيار الدولة اليمنية [مجلس العلاقات الخارجية: أزمة اليمن].

في مارس 2015، أطلقت السعودية عملية "عاصفة الحزم" لاستعادة الشرعية اليمنية، لكن الأجندة الحقيقية بدت أكثر تعقيدًا. سعت الرياض إلى إضعاف الحكومة الشرعية وتفكيك اليمن إلى كيانات محلية موالية لها، بهدف تحقيق طموحات إستراتيجية؛ مثل السيطرة على منفذ بحري في بحر العرب أو ضم أراضٍ يمنية مثل حضرموت والمهرة [بروكينغز: الحرب في اليمن - الخطوط الجيوسياسية]. هذا النهج أضعف الشرعية وزاد من تعقيد الصراع.

في المقابل، استغل الحوثيون هذا الوضع، وبدعم من إيران وحزب الله طوّروا قدراتهم العسكرية بشكل ملحوظ.

تلقوا دعمًا تقنيًا غير مباشر من أطراف دولية، مثل روسيا والصين، مما عزز قدراتهم في الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة [مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: القدرات العسكرية الحوثية].

هجوم أرامكو في سبتمبر 2019، الذي شلّ حوالي 50% من إنتاج النفط السعودي، كان رسالة إستراتيجية أظهرت قدرة الحوثيين على تهديد أمن الخليج [رويترز: الجدول الزمني - الهجمات على أرامكو السعودية].

تقاطعت طموحات الحوثيين مع مصالح قوى إقليمية ودولية وجدت فيهم أداة لتنفيذ أجنداتها في اليمن والمنطقة.

فقد أصبح الحوثيون "بندقية للإيجار" في أيدي لاعبين متعددين. السعودية والإمارات استخدمتا الحوثيين كأداة لتدمير الدولة اليمنية وغطاء لتمزيق اليمن إلى كانتونات متناحرة خدمةً لأجندتهما.

أما إيران فكان لها نصيب الأسد في استخدام الحوثيين لاستنزاف السعودية طويل الأمد، ضمن مساعيها لتوسيع نفوذها الإقليمي في منطقة تتنافس فيها مع إسرائيل وتركيا.

وفي الوقت ذاته، ساهمت روسيا والصين في تعزيز القدرات العسكرية الحوثية ضمن لعبة جيوسياسية معقدة تهدف إلى إضعاف النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة [معهد واشنطن: التحالف الحوثي - الإيراني].

أمريكا وبريطانيا، رغم تصنيفهما الحوثيين ك'جماعة إرهابية' في يناير 2021، استفادتا من استمرار الصراع لتبرير وجودهما العسكري في البحر الأحمر وزيادة مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج المهددة بالخطر الحوثي.

كما سعتا إلى إشغال إسرائيل بالحوثيين للحد من طموحاتها الإقليمية المتزايدة، التي باتت تشكِّل مصدر قلق للغرب بسبب نفوذها المتغلغل في دوائر القرار الغربية [وزارة الخارجية الأمريكية: تصنيف أنصار الله ك'منظمة إرهابية أجنبية'].

حتى إسرائيل وجدت في الحوثيين "بعبعًا" يدفع دول الخليج نحو التطبيع والتنسيق الأمني معها، مستغلةً مخاوف المنطقة من التهديد الحوثي [معهد واشنطن: ديناميكيات التطبيع في الخليج].

في المفاوضات التي رعتها سلطنة عُمان، برز الحوثيون كطرف يتحدث بلغة الدول، ويفرض شروطًا من موقع قوة. تصريح عبد الملك الحوثي في أبريل 2023 بأن "السعودية تفاوضنا كدولة أمر واقع" يعكس هذا التحول [الجزيرة: الحوثيون - "نفاوض السعودية كدولة أمر واقع"]. 

هجماتهم المستمرة على السفن في البحر الأحمر، التي أثرت على التجارة العالمية، عززت هذا الوضع [بي بي سي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر].

- الحوثيون مارسوا ابتزازًا ماليًا وسياسيًا ضد السعودية

على الصعيد المالي، طالبوا بتعويضات مالية كبيرة خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، مشروطة بتسوية رواتب موظفي المناطق التي يسيطرون عليها، بما يشمل ميناء الحديدة، مقابل وقف الهجمات على المنشآت السعودية [الغارديان: الحوثيون في اليمن يطالبون بتسويات مالية في محادثات السلام].

سياسيًا، ضغطوا للاعتراف بهم كسلطة أمر واقع في شمال اليمن، من خلال إجبار السعودية على التفاوض المباشر معهم، متجاوزين الحكومة الشرعية، مما يضعف شرعية الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا [مؤسسة كارنيغي: حركة الحوثيين في اليمن والديناميكيات الإقليمية].

بل إن الابتزاز الحوثي وصل إلى حد المطالبة بتعويضات عن الدمار الناجم عن الضربات الإسرائيلية والأمريكية على البنية التحتية في مناطق سيطرتهم. 

تقارير تشير إلى أن السعودية تكفلت بإصلاح مطار صنعاء الدولي بعد الدمار الذي لحق به إلى ما قبل الضربات الإسرائيلية الأخيرة في مايو 2025، كما مارست ضغوطًا على الحكومة الشرعية لإرسال الطائرة الرابعة التابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى صنعاء لتفويج الحجاج إلى مكة.

لكن إسرائيل دمّرت هذه الطائرة لاحقًا، لتلحق بثلاث طائرات أخرى دُمّرت سابقًا. بعد ذلك، ضغط الحوثيون على السعودية لتسريع تفويج الحجاج برًا عبر مطار عدن، مما يفسّر الجهود المتسارعة لفتح الطرق المغلقة منذ سنوات، مثل طريق الضالع - صنعاء - عدن، لتسهيل نقل الحجاج [الشرق الأوسط: السعودية تدعم إصلاح مطار صنعاء وتفويج الحجاج] [رويترز: هجمات إسرائيل على مطار صنعاء].

اليوم، تواجه السعودية خيارات مريرة. فالحرب لم تسقط الحوثيين، والدبلوماسية لم تضعفهم، والتحالفات المحلية أدت إلى مزيد من الفوضى في اليمن. الحوثيون، الذين كانوا يُنظر إليهم كتهديد محدود في صعدة، أصبحوا لاعبًا إقليميًا متعدد الولاءات، تتقاطع حوله مصالح قوى دولية ترى فيه أداة لتشكيل مستقبل المنطقة [مؤسسة كارنيغي: حركة الحوثيين في اليمن والديناميكيات الإقليمية].

هكذا تنقلب اللعبة على صانعها. المعركة التي بدأت لضرب خطر محدود تحوّلت إلى حرب مفتوحة بلا أفق، يُبتز فيها اللاعب الإقليمي الأكبر على يد خصم كان ذات يوم لا يُؤبه له. 

وفي مفارقة لاذعة، تجد الرياض نفسها اليوم محاصرة بحصاد سياساتها المتخبّطة، التي أضعفت القوى اليمنية المناهضة للحوثيين، لتتحوّل الرياض إلى رهينة في يد جماعة صنعت منها السعودية، بمكر التاريخ، لاعبًا يخرجه من حالته كمتمرد محلي إلى فاعل مؤثر على مسرح الصراع الإقليمي والدولي. و... يا لمرارة الحصاد المُر الذي جنته السعودية.

مقالات

قراءة في "أغنية راعي الرِّيح"

يعد الشاعر عامر السعيدي، الشاب القادم من أعالي جبال حجور بمحافظة حجة اليمنية، واحدا من أهم الأصوات الشعرية التي تتصدّر المشهد في الساحة الأدبية اليمنية الراهنة، بل إن حضور الإبداعي مُمتد إلى المحيط العربي عموما.

مقالات

عيد بلا فرحة

يطل علينا العيد مرة أخرى، لكنه في بلادنا لا يحمل معه بهجة الألوان أو ترانيم الفرح، بل يأتي، كعادته في السنوات الأخيرة، مثقلًا بآهات الوجع ومرارة الواقع. إنه "عيد بلا فرحة".

مقالات

عن الرئيس ونائبه وتصوراتهم الدولية

تعطي متابعة خطاب رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، وعضو المجلس الأقوى منه، عيدروس الزبيدي، الانطباع بأننا أمام مبعوثين أو ممثلين وسفراء إقليميين ودوليين، تتركز أولوياتهم على الاهتمامات ذات الأبعاد الجيوسياسية التي تمس المصالح الدولية. وغالبًا لا يعرف المبعوثون والممثلون والخبراء الدوليون عن بلدنا سوى البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وقربه من المملكة العربية السعودية (أحد أهم مراكز الطاقة العالمية)، بينما يجهلون إلى حدٍّ كبير طبيعة الصراعات المحلية المعقدة والمتداخلة، وصراع اليمنيين مع الإمامة، والبنية السياسية والاجتماعية للقوى والمكونات المحلية. ومن امتلك منهم معرفة محدودة بقضايانا وصراعاتنا ومآسينا، فإنه لا يتفاعل معها ولا يشعر بها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.