مقالات
إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية الاستخباراتية: بين الدمج والتحديث في مواجهة الحوثيين
أفادت مصادر مطلعة أن القيادة اليمنية بصدد إصدار حزمة من القرارات الهامة خلال الأيام القادمة، تهدف إلى إعادة تشكيل عدد من المواقع القيادية في مؤسسات الدولة، في إطار توجهات إصلاحية ترمي إلى تعزيز الأداء المؤسسي وتحديث البنية الإدارية.
ووفقًا لما نقله الدكتور إكرم توفيق، مدير إدارة العلاقات والتعاون في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون اليمنية، فإن اللواء الركن محمد عيضة سيُعيّن رئيسًا لجهاز أمن الدولة، فيما سيشغل اللواء فيصل باجري منصب نائب رئيس الجهاز، في خطوة تعكس الثقة في خبراتهما الطويلة في المجالين الأمني والاستخباراتي. وتنبع هذه الثقة من حاجة المرحلة إلى قيادات ذات خلفية عسكرية واستخباراتية ميدانية قادرة على قيادة مرحلة تحولية حساسة، حيث يصبح تطهير المؤسسة من أي اختراقات سابقة وبناء ولاء موحد لها في مقدمة المهام.
وتشير مصادر سياسية إلى أن هذه التغييرات ليست مجرد إعادة توزيع للقيادات، بل تمهيد لعملية دمج شاملة بين جهازي الأمن السياسي والأمن القومي، تمهيدًا لتوحيدهما تحت مظلة "جهاز أمن الدولة"، في إطار رؤية تحديثية تهدف إلى بناء مؤسسة استخباراتية مركزية أكثر فاعلية وانضباطًا، تتكامل فيها المهام الاستخباراتية الداخلية والخارجية ضمن هيكل مؤسسي واحد.
ويأتي هذا التوجه في ظل إدراك متزايد لأهمية توحيد القرار الأمني والاستخباراتي بعد سنوات من الازدواجية والصراع البيروقراطي بين الأجهزة السابقة، حيث أدى تضارب الصلاحيات بين الأمن القومي والأمن السياسي إلى إضعاف القدرة على مواجهة التهديدات المتنامية، وفي مقدمتها نشاط ميليشيات الحوثي التي نجحت في اختراق بعض المفاصل الأمنية خلال فترات سابقة.
إن إلغاء الأجهزة القديمة واستحداث بنية استخباراتية حديثة يحمل أبعادًا استراتيجية تتعلق بإعادة رسم خريطة النفوذ الأمني داخل الدولة، وبناء جهاز موحد قادر على إدارة العمليات النوعية، وجمع المعلومات، وتنسيق الجهود الاستخباراتية والعسكرية ضد الميليشيات الحوثية، في إطار رؤية أكثر مركزية وتكاملًا بين الجانبين الأمني والعسكري.
وفي هذا السياق، فإن إعادة تشكيل الجهاز الأمني الجديد لا تتعلق فقط بالجانب الفني أو الهيكلي، بل تشمل أيضًا علاقة هذا الجهاز بمراكز صنع القرار السياسي والعسكري؛ إذ إن وضوح حدود الصلاحيات والتنسيق بين جهاز أمن الدولة من جهة، ومجلس القيادة الرئاسي ووزارة الدفاع من جهة أخرى، سيكون عاملًا حاسمًا في ضبط التوازن المؤسسي وضمان عدم تضارب القرار الأمني مع التوجهات الاستراتيجية العليا للدولة، مما يعزز كفاءة القرار ويقلل من احتمالات الازدواج في الأوامر الميدانية أو المعلوماتية.
ومع ذلك، تبرز بعض المخاوف من أن يؤدي هذا الدمج إلى فجوات مؤقتة في منظومة العمل الأمني، خصوصًا إذا لم تتم عملية النقل وإعادة الهيكلة ضمن آليات مدروسة تراعي الكفاءة والتوازن المؤسسي؛ إذ إن أي خلل في توزيع الأدوار أو تضارب في المهام خلال المرحلة الانتقالية قد ينعكس سلبًا على الأداء الميداني في مواجهة التهديد الحوثي، ويمنح الخصم هامشًا للمناورة والتغلغل. وللتغلب على هذه المخاوف، فإن نجاح عملية الدمج سيرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود خطة انتقالية واضحة تشمل عمليات تدريب مكثفة للكوادر المندمجة على الأنظمة الجديدة، وإنشاء قنوات اتصال رأسية وأفقية فاعلة، وإعادة تعريف دقيقة للسلطات والمسؤوليات داخل الهيكل الموحد، لضمان سيادة التكامل على التنافس البيروقراطي.
وقد شهدت دول عربية أخرى تجارب مماثلة في إعادة هيكلة أجهزتها الأمنية بعد مراحل من التغييرات السياسية والأمنية، كما حدث في المملكة العربية السعودية عام 2017، حيث تم دمج الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في كيان واحد تحت اسم "رئاسة أمن الدولة"، مما أدى إلى رفع كفاءة التنسيق وتقليص تضارب المهام والصلاحيات. بينما اتبعت مصر بعد عام 2013 نهجًا إصلاحيًا موازٍ ركّز على دمج المعلومات بين جهاز المخابرات العامة والأمن الوطني ضمن منظومة تنسيق موحدة، وهو ما أسهم في تحسين فعالية المتابعة الأمنية وتحديد التهديدات مبكرًا ومجابهتها بفاعلية ومهنية عالية.
ومن هذا المنظور، فإن الاتجاه نحو الدمج في الحالة اليمنية يعكس رغبة القيادة في نقل التجربة إلى بيئة وطنية تتسم بتعقيدات سياسية وميدانية مضاعفة، غير أن نجاحها سيعتمد على قدرة الدولة على إدارة هذا التحول دون أن تتسرب الولاءات أو تتكرر أخطاء الماضي، خصوصًا في ظل التحدي الأكبر المتمثل في مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
كما أن أحد التحديات الإضافية يكمن في ضرورة ترميم الثقة بين المواطن اليمني والجهاز الأمني بعد عقود من الخوف أو الارتياب من مؤسسات الأمن، فإعادة بناء هذه الثقة هي شرط لنجاح الجهاز الجديد، إذ لا يمكن لأي مؤسسة استخباراتية أن تعمل بفاعلية دون تعاون المواطنين وشعورهم بالأمان في التعامل معها، وهذا يتطلب خطابًا جديدًا وسلوكًا مؤسسيًا منضبطًا يعيد الثقة بأن الأمن الوطني هو حماية للمجتمع لا وسيلة للهيمنة عليه.
وعلى الصعيد الإقليمي، تتزامن هذه الترتيبات الأمنية مع مؤشرات على تقدم المسار التفاهمي بين واشنطن وطهران، والذي قد ينعكس على خريطة الصراع في اليمن من خلال محاولات إيرانية لفرض واقع ميداني قبل أي اتفاق جديد، مما يجعل تحديث الأجهزة الاستخباراتية اليمنية ضرورة استراتيجية وليست خيارًا إداريًا، إذ إن أي تسوية محتملة ستعتمد على توازن القوة على الأرض، وهو ما يدفع القيادة اليمنية إلى الإسراع في بناء جهاز أمني موحّد قادر على قراءة التحولات الإقليمية والتعامل مع تداعياتها بفاعلية، بما يحافظ على استقلال القرار الوطني ويمنع انزلاق الأمن القومي إلى هامش التسويات الدولية القادمة.
وفي هذا الإطار، تبدو مسألة الدعم الأمريكي أكثر تعقيدًا من مجرد تعاون فني، إذ تشير المعطيات إلى أن واشنطن قد تسعى لدعم عملية الدمج الأمني ضمن برامجها الخاصة بمكافحة الإرهاب وحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، سواء عبر القيادة المركزية الأمريكية أو من خلال مشاريع التعاون الاستخباراتي القائمة. غير أن نجاح هذه الشراكة سيعتمد على قدرة اليمن على ضبط استقلالية قراره الأمني، بحيث لا يتحول الدعم الفني الخارجي إلى وصاية أو تدخل في آليات صنع القرار الداخلي.
وعلى المستوى العملياتي، يُتوقع أن ينتج عن هذا الدمج تحسينات ملموسة في جودة التقديرات الاستخباراتية المقدمة لصنّاع القرار، من خلال دمج قواعد البيانات والاستفادة من نقاط القوة المتوافرة في كل جهاز سابق. كما سيعزز من قدرة اليمن على إدارة العمليات الاستباقية ضد تهديدات الحوثيين، لا سيما تلك المتعلقة بضربات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، عبر مركزية المعلومات الخاصة بتهريب الأسلحة الإيرانية وتحركاتها وتخزينها وتجميعها، مما يقلل من وقت الاستجابة ويعظم من التأثير.
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت منذ عام 2015 دورًا غير مباشر في دعم جهود إصلاح الأجهزة الأمنية اليمنية، من خلال برامج تدريب وتمويل فني واستخباراتي عبر القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، بهدف تعزيز قدرات جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد ركزت تلك البرامج على دعم الكوادر الفنية وبناء منظومات اتصالات آمنة، مما يهيئ بيئة مهنية مكمّلة لأي عملية دمج وطني قادمة، شريطة أن تتم ضمن رؤية يمنية مستقلة لا تجعل الجهاز الأمني امتدادًا لمصالح خارجية، بل ذراعًا سياديًا لحماية الدولة واستعادة توازنها الداخلي.
في الختام، فإن الانعكاسات المتوقعة لهذا الدمج المحتمل على الأمن الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن تُعد إيجابية على المدى المتوسط والبعيد، شريطة إدارته ببراعة. فبناء جهاز استخباراتي يمني موحّد وفعّال لن يشكل رادعًا للحوثيين فحسب، بل سيساهم في استقرار الملاحة الدولية ويعيد جزءًا من التوازن الإقليمي لصالح الدولة اليمنية الشرعية، مجسدًا بذلك نجاح عملية إعادة التشكيل بين الدمج والتحديث في مواجهة التحدي الحوثي، على أن نجاح هذا المشروع الأمني لن يكون فقط نتاج كفاءة فنية أو تكنولوجية، بل انعكاسًا لقرار سياسي شجاع وقدرة مؤسسية واعية على إدارة التحول ضمن رؤية وطنية مستقلة.