مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

17/09/2025, 15:10:10

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

خلفية الأزمة تعود إلى تنامي انحيازات تيار الإمارات داخل المجلس، والمتمثل في شخصيات بارزة مثل فرج البحسني، وأبو زرعة المحرمي، إلى جانب عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطمح لانفصال جنوب اليمن، حيث يُشكّل هؤلاء كتلة سياسية–عسكرية ذات ارتباط مباشر بأبوظبي، وهو ما يوازن نفوذ السعودية داخل المجلس، ويجعل القرارات الصادرة عرضة للتجاذب والتجاذب المضاد، خصوصًا أن قرارات الزبيدي الأخيرة التي اتخذها بصورة أحادية فتحت النقاش مجددًا حول: من يملك صلاحية القرار داخل المجلس؟ وهل هو الرئيس رشاد العليمي أم التيارات الموازية المدعومة خارجيًا؟

تصعيد تيار الإمارات بدا واضحًا منذ الأمس من خلال الهجوم السياسي والإعلامي الذي قاده كل من البحسني والمحرمي، مكمّلًا لخطوات الزبيدي وقراراته السابقة، وهو ما يُظهر أن هناك تنسيقًا متقدمًا لإعادة فرض معادلة داخل المجلس تستجيب لأولويات أبوظبي، في مقابل تحفظ سعودي واضح، يميل إلى الصمت العلني لكنه يحمل رسائل ضمنية حول رغبة الرياض في ضبط التوازنات وعدم التفريط في موقعها القيادي داخل التحالف.

المطالبة بوضع لائحة عمل ملزمة وآلية جماعية لاتخاذ القرار ورفض القرارات الانفرادية تعكس مخاوف التيار السعودي داخل المجلس، والمتمثل في شخصيات مثل رشاد العليمي، وسلطان العرادة، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، من هيمنة تيار الإمارات على القرار السياسي والعسكري، إذ ترى هذه الأطراف أن المجلس يفقد مصداقيته إذا تحوّل إلى منصة قرارات فردية تعكس أجندة خارجية على حساب المصلحة الوطنية.

دور رشاد العليمي كرئيس لمجلس القيادة الرئاسي يظل محوريًا من الناحية الشكلية، غير أن الاتهامات المتزايدة باستئثاره بالقرار، ورفضه أحيانًا التوافق الداخلي، جعلته في مواجهة مباشرة مع حلفائه داخل المجلس، الأمر الذي أتاح للزبيدي ورفاقه فرصة أكبر لطرح أنفسهم كبديل جماعي قادر على فرض أجندة أكثر انسجامًا مع التوجه الإماراتي، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة بدلًا من احتوائها.

لكن اللافت أن عيدروس الزبيدي أصدر مؤخرًا قرارات تعيين في مواقع حكومية حساسة، من دون وجود أي سند قانوني أو دستوري يجيز له ممارسة هذه الصلاحية، إذ إن صلاحيات إصدار مثل هذه القرارات منوطة فقط برئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، ما أعاد الجدل حول شرعية القرارات الأحادية داخل المجلس، وزاد من حدة الخلافات، وطرح تساؤلات عميقة حول مدى احترام مبدأ العمل الجماعي الذي قام عليه المجلس أصلًا.

في المقابل، فإن القرارات الأخيرة والمنفردة التي اتخذها عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي أثارت تساؤلات حقيقية: من الذي يملك القرار في النهاية؟ وهل يتم اتخاذ القرارات داخل المجلس عبر آليات جماعية، أم أن بعض الأعضاء باتوا يتصرفون كأطراف مستقلة، ما يفقد المجلس صفته التوافقية؟ وهنا يبرز الموقف السعودي الملتزم بالصمت، إذ يمكن قراءته على أنه محاولة لترك المجال للأزمة كي تستهلك ذاتها، أو كرسالة ضمنية بأن الرياض لن تدخل في صدام مباشر مع أبوظبي، لكنها في الوقت نفسه لن تتنازل عن دورها المركزي.

انعكاسات هذه الخلافات على الأداء الحكومي والخدمات الأساسية تبدو خطيرة، فكلما انشغل المجلس بصراعاته الداخلية، تراجع اهتمامه بملفات الاقتصاد والخدمات العامة والملفات الإنسانية، وهو ما يفاقم معاناة المواطن، ويفتح المجال لمزيد من فقدان الثقة الشعبية في الشرعية، ويمنح الحوثيين فرصة لتوسيع نفوذهم سياسيًا وعسكريًا.

لا شك أن الإمارات تدفع، بشكل أو بآخر، نحو إعادة تشكيل موازين القوة داخل المجلس بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في السواحل اليمنية والبحر الأحمر، مستندة إلى قوتها العسكرية على الأرض من خلال قوات مدعومة مباشرة منها، فيما تسعى السعودية للحفاظ على صيغة المجلس دون تفككه، مع محاولة إدارة التوازنات بدلًا من كسرها.

السيناريوهات المستقبلية تظل مفتوحة على عدة احتمالات، منها بقاء المجلس بصيغته الحالية مع استمرار الخلافات الداخلية، أو إعادة هيكلته عبر ضغوط إقليمية تفرض توازنًا جديدًا، أو حتى تفككه التدريجي إذا استمر الانقسام دون آلية واضحة لمعالجته، وفي جميع الأحوال، فإن الأزمة الراهنة تعكس هشاشة بنية المجلس، وتؤكد أن تباين الأجندات الإقليمية والدولية لا يزال هو المحدد الرئيسي لمسار الشرعية اليمنية، والذي يخدم بقاء المليشيات الحوثية وإيران، هي المسيطرة على مناطق الكثافة السكانية في اليمن، وبما يخدم مشاريع إيران التوسعية.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.