تقارير
من الفكر إلى الزنزانة.. دلالات استهداف الحوثيين للدكتور حمود العودي
أقدمت مليشيا الحوثي، عبر جهاز الأمن والمخابرات التابع لها، على احتجاز المفكر والأكاديمي البارز الدكتور حمود العودي ورفيقيه أنور خالد شعب وعبد الرحمن العلفي.
يُعد الدكتور حمود العودي أستاذًا جامعيًا وباحثًا اجتماعيًا، ورمزًا وطنيًا ومثقفًا تنويريًا كرّس حياته للفكر والحوار والسلام من خلال مؤلفاته ومبادراته المجتمعية.
حاول العودي أن يفتح الطرق المغلقة بين اليمنيين، وأن يجعل من الكلمة جسرًا للتقارب بينهم، غير أن حادثة احتجازه أعادت إلى الواجهة سؤال الحرية وحدود القمع في بلد أنهكته الحرب، وحاصرته القيود، وتصدّر مشهده الجهلة والسراق والمجرمون القادمون من غبار التاريخ.
- حالة خوف وفزع
يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، المحامي توفيق الحميدي، إن ميليشيا الحوثي أعادت الحالة السياسية اليمنية إلى ما قبل التاريخ، إلى عهد النظريات الثيوقراطية التي حكمت العصور الوسطى في أوروبا.
وأضاف: "اليوم لم تعد هناك حرية حقيقية في العاصمة صنعاء، وأصبح الجو العام مشبعًا بالخوف والترقب والتجسس، سواء على حركة الإنسان أو على مكالماته وأجهزته الشخصية، رغم أنها محمية بموجب القانون والدستور اليمني."
وتابع: "هذه ليست أول ممارسة جسيمة ترتكبها ميليشيا الحوثي ضد الأكاديميين، لكنها اليوم تستدرج الخوف وتزرعه في مستويات متعددة داخل المجتمع، سواء بين المشايخ أو الطلاب أو السياسيين، وكان السياسيون أول من سقطوا."
وأردف الحميدي: "احتجاز الدكتور حمود العودي في هذه المرحلة يعكس حالة الفزع التي تعيشها الميليشيا من الكلمة ومن المفكرين."
وأشار إلى أن الميليشيا تحولت من ميليشيا مسلحة إلى ميليشيا أمنية، إذ أصبحت الأجهزة الأمنية داخل الجماعة هي المتحكم الفعلي في القرار والمشهد العام في مناطق سيطرتها.
وأضاف: "من يتتبع عدد الأجهزة الأمنية التي أنشأتها الجماعة خلال العامين الماضيين، وعدد القوانين القمعية المتعلقة بتهم العمالة والارتزاق التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، سيدرك أننا أمام حالة أمنية مفرطة، لا تقل عن حالات الاستبداد التي عرفها التاريخ في أمريكا الجنوبية أو روسيا في عهد ستالين."
- جرأة ووقاحة
يقول الناشط السياسي سمير مريط إن بقاء الدكتور حمود العودي في صنعاء كان رهانًا على أن المجتمع لا يجب أن يفقد نخبته ووسائله الناعمة في المعارضة، وأنه لا ينبغي ترك الساحة للحوثيين وحدهم، رغم العروض المتكررة التي تلقاها للمغادرة.
وأضاف: "الدكتور حمود لم يُعتقل بسبب منشور، فعداوة الحوثيين له أعمق من ذلك؛ فهو صاحب مؤلفات تناهض الفكر السلالي والعنصري، وتتلمذ على يديه آلاف الطلاب الذين تربوا على قيم المساواة والعدالة."
وتابع: "عمره النضالي أطول من عمر كثير من قادة الحوثيين أنفسهم، وله مؤلفات تُدرّس وتُستشهد بها في مراجع دولية، مثل كتابه الشهير المثقفون في الدول النامية الصادر قبل نحو 40 عامًا."
وأردف: "نحن أمام خطوة جريئة ووقحة باعتقال قامة أكاديمية بهذا الحجم؛ فهو لا يقل شأنًا عن الراحل عبد العزيز المقالح أو صالح باصرة، وله مكانة محلية ودولية لا يمكن تجاهلها."
وزاد: "الأكاديمي عبد الرحمن العلفي أيضًا كان يدير مركز منارات للدراسات، ونظم فعاليات وندوات رفضت الفكر السلالي منذ وقت مبكر، ولهذا يرى الحوثيون في استمرار وجود هؤلاء واحتفاظهم بمكانتهم تهديدًا لهم."
- حالة إفلاس وتوحش
يقول الباحث السياسي الدكتور عادل دشيلة إن الحوثيين اتبعوا منذ البداية استراتيجية تقوم على تفكيك المجتمع وإسكات الأصوات المؤثرة.
وأضاف: "بعد أن تخلصوا من الرموز القبلية التي كانت يمكن أن تقف في وجههم، انتقلوا إلى السياسيين وقادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ثم إلى الأكاديميين والمفكرين."
وتابع: "نحن الآن أمام المرحلة الأخيرة من مشروع الحوثي في السيطرة، والمتمثلة في إسكات أي صوت مدني حر حتى وإن كان في مناطقهم."
وأردف دشيلة: "ما الذي تستفيده الجماعة من اعتقال رجل يبلغ الثمانين من عمره؟ إنه أستاذ جامعي مدني ظل متمسكًا بالحوار معهم، وساهم في وساطات إنسانية وفتح الطرقات في المناطق الوسطى، وكان يغادر ويعود بإذن منهم."
وزاد: "اختطافه وهو في هذا العمر، رغم مرضه، يكشف عن حالة توحش فقدت السيطرة، ويعكس إفلاس الجماعة التي لم تعد تملك أي قاعدة شعبية حقيقية."
وختم بالقول: "ما تبقى للجماعة اليوم هو القمع والسلاح، بعدما فقدت الشرعية والأعراف وحتى الاحترام، فبالأمس اتهمت المنظمات الدولية بالتجسس، واليوم تطارد الأكاديميين."