تقارير

تشكيل السعودية قوات جديدة في اليمن.. والدوران في مربع الفشل

03/02/2023, 15:39:27
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد

بعد الإعلان عن تشكيل قوات عسكرية جديدة في اليمن باسم "قوات درع الوطن"، كقوات احتياط تتبع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتمويل ودعم من السعودية، بالتزامن مع مفاوضات سعودية-حوثية مكثفة، تكون الأزمة اليمنية قد دخلت فصلا جديدا من الإدارة العبثية والتفتيت وافتعال المزيد من الفوضى والحروب داخل الحروب والاقتتال الداخلي وصراع النفوذ والمكاسب بين أطراف خارجية وتوابعها المحلية.

وبخصوص تشكيل قوات جديدة تتبع رشاد العليمي، فالمحير في الأمر أنه لا يوجد رابط عصبوي محفز للولاء، سواء أيديولوجي أو مناطقي أو حتى سياسي، بين المؤتمري رشاد العليمي الذي ينتمي إلى محافظة تعز الشمالية، وبين ما تسمى "قوات درع الوطن" التي تتشكل من مجندين سلفيين جنوبيين بنَفَس انفصالي واضح، بمعنى أن رابط الولاء من تلك القوات لرئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي منعدم تماما، وتشكيل تلك القوات تحت هذا المسمى والهدف المعلن، تم استجابة لإملاءات سعودية، فما الذي يعنيه ذلك؟ وكيف ستتعامل التشكيلات العسكرية الانفصالية الموالية للإمارات مع التشكيلات العسكرية الانفصالية الموالية للسعودية، لاسيما أن سباق النفوذ في المحافظات الجنوبية والشرقية سيكون العنوان الأبرز للصراع بينهما؟

- السعودية والنفوذ المفقود

بإعلان تشكيل "قوات درع الوطن" بعد زيارة السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى صنعاء ولقائه بقيادة مليشيا الحوثيين، وتلويح المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا بالسيطرة على محافظة حضرموت، تكون قد اتضحت بعض ملامح المرحلة المقبلة من الصراع في اليمن، فالسعودية بفتحها خطوط تواصل مباشرة مع الحوثيين يبدو أن هدفها من ذلك استمالة الحوثيين إلى صفها وإبعادهم ولو نسبيا من إيران، وبتشكيلها قوات عسكرية موالية لها من السلفيين في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية، يبدو أن هدفها من ذلك صناعة نفوذ جديد في تلك المحافظات لمزاحمة النفوذ الإماراتي الآخذ في التوسع هناك.

هذه التحركات السعودية الجديدة في اليمن تعكس فشلها طوال السنوات الماضية في إدارة الملف اليمني، فبعد أن كانت هي صاحبة النفوذ الأقوى في البلاد طوال العقود الماضية، بدا بعد ثماني سنوات من الحرب والصراع أن نفوذها تآكل تدريجيا، وأصبح نفوذ إيران هو الطاغي في شمال البلاد، بينما نفوذ الإمارات هو الطاغي في جنوب البلاد، لذلك فهي تحاول الآن، أي السعودية، إعادة تجميع خيوط اللعبة في يدها من جديد، فهل تفلح في ذلك؟

بالنسبة لمليشيا الحوثيين، فهي على استعداد للمصالحة مع السعودية إذا كانت تلك المصالحة ستضمن لها استمرار سيطرتها على المحافظات الشمالية والغربية التي تسيطر عليها حاليا، وأن تتوقف السعودية عن التدخل العسكري في حال أرادت المليشيا الحوثية التقدم والسيطرة على محافظات جديدة.
كما أن المليشيا الحوثية مستعدة لعقد اتفاق لوقف إطلاق النار مع السعودية لمدة زمنية طويلة ستستغلها في تعزيز قوتها ونفوذها والتجنيد وتطييف المجتمع وملشنته، لكنها في الأخير لن تكون رهن الإرادة السعودية إلى ما لا نهاية، ذلك أن إيران تمثل المرجعية المقدسة للحوثيين عقائديا وسياسيا، ومصالحة السعودية مع الحوثيين ستظل رهن طبيعة العلاقة بين السعودية وإيران، بمعنى أن البعد العقائدي للصراع في الإقليم سيظل هو المحدد الرئيسي لطبيعة العلاقة بين السعودية ومليشيا الحوثيين.

وبالنسبة للأوضاع في المحافظات الجنوبية والشرقية، فمن الواضح أن دولة الإمارات هي صاحبة النفوذ الأقوى هناك، خصوصا أنها تسيطر على عدد كبير من الجزر والموانئ والمطارات. علاوة على ذلك، فإن التشكيلات العسكرية الموالية لها هي الأقوى عددا وتسليحا، خصوصا بعد أن خذلت السعودية الحكومة اليمنية الشرعية والجيش الوطني منذ أغسطس 2019 وحتى اليوم في معارك المجلس الانتقالي والإمارات في عدن وشبوة والانتشار في أبين وسقطرى، وهي محافظات أصبحت تحت سيطرة التشكيلات العسكرية الانفصالية الموالية للإمارات.

وبالتالي لم يعد للسعودية أي نفوذ في المحافظات الجنوبية والشرقية باستثناء محافظة المهرة التي تسيطر عليها قوات سعودية، لكنها مرفوضة من قِبَل أبناء المحافظة الذين يصفونها بـ"الاحتلال" ويطالبون بخروجها من محافظتهم، ولم تبقَ سوى محافظة حضرموت، التي توجد فيها قوات عسكرية تابعة للحكومة الشرعية، بالإضافة إلى تشكيلات عسكرية انفصالية محدودة موالية للإمارات، ويبدو أن السعودية غير راضية عن مساعي المجلس الانتقالي والإمارات للسيطرة على محافظة حضرموت بالكامل، لأنه في حال حصل ذلك ستكون مساحة نفوذ السعودية في اليمن قد تقلصت إلى حجم لا يؤهلها لممارسة دور مؤثر في البلاد.

- تحفيز التوتر والصراع

وعندما تشكل السعودية قوات جديدة موالية لها في المحافظات الجنوبية والشرقية، وبصرف النظر إن كان ذلك يعكس توزيع أدوار بينها هي والإمارات تمهيدا لتفجير الصراع داخليا في جنوب البلاد، أو أن السعودية بالفعل تنوي مزاحمة النفوذ الإماراتي هناك، ففي كل الأحوال فإن تشكيل قوات جديدة، بدلا من دمج جميع التشكيلات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، من شأنه تحفيز التوتر والصراع البيني، وبالتالي فالانفجار قادم لا محالة ما لم تكن ثمة تفاهمات وراء الكواليس بين الرياض وأبو ظبي، لأن المجلس الانتقالي راكم مكاسب ميدانية وسياسية كثيرة لن يفرط بها بسهولة، بل فهو يطمح لتحقيق المزيد من المكاسب والتخلص من معارضيه كافة، والقوات الجديدة أنشأتها السعودية لأجل مهام معينة ذات طابع صدامي مع مليشيا المجلس الانتقالي، وليس معقولا أن تظل القوات الجديدة معطلة وتتلقى الدعم المادي والعسكري دون عمل مقابل ذلك.

في المحصلة، تريد السعودية حاليا تحييد مليشيا الحوثيين ولو مؤقتا لتتفرغ هي لتمرير ترتيبات جديدة تعتزم تكريسها في جنوبي البلاد وفي هياكل السلطة الشرعية المفترضة، ولتحقيق ذلك فإنها مستعدة لتلبية مطالب الحوثيين، مثل دفع رواتب مقاتليهم وتخفيف الحصار عليهم، وما يجري حاليا من مفاوضات بين الطرفين الهدف منها الاتفاق على التفاصيل ووضع اللمسات الأخيرة لاتفاق سيتضمن بنودا معلنة وأخرى سرية، ولن تفشل المفاوضات إلا إذا رفع الحوثيون سقف مطالبهم إلى مستوى غير مقبول لدى الجانب السعودي.

وبخصوص الترتيبات الجديدة في جنوب البلاد، فهناك توافق بين السعودية والإمارات فيما يتعلق بتدمير ما بقي من هياكل للحكومة الشرعية، وتفكيك الجيش الوطني أو الحكومي، بما في ذلك المنطقتان العسكريتان الأولى والثانية، لكن الخلاف بينهما، أي السعودية والإمارات، يكمن في طبيعة التشكيلات العسكرية البديلة وخريطة سيطرتها والنفوذ على الأرض، أي أن طبيعة تدخل الدولتين في اليمن بدأ من التحالف الوثيق وانتهى بتوزيع الأدوار في جوانب وسباق النفوذ في جوانب أخرى.

- التحالف وعقدة الجيش اليمني النظامي

منطقيا، إذا كانت السعودية تعتزم تحجيم النفوذ الإماراتي في اليمن وتحجيم نفوذ المليشيات الانفصالية الموالية للإمارات وتعزيز نفوذ رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وبالتالي استعادة نفوذها في البلاد، فإن الخيار الطبيعي ليس تشكيل قوات جديدة تنقصها العقيدة القتالية وينقصها الطابع التقليدي للجيوش النظامية، وتم تشكيلها بطريقة مخالفة للدستور اليمني، وإنما كان يفترض أن تدعم السعودية الجيش النظامي الذي تتمحور عقيدته العسكرية حول حماية الدولة اليمنية والنظام الجمهوري وحماية وحدة البلاد وأراضيها وسيادتها.

ومن الواضح أن الجيش النظامي يكتسب قوته ونفوذه من القبول والتأييد الشعبي لدى مختلف مكونات وفئات الشعب اليمني، مما يمنحه موردا لا ينضب من المجندين الجدد كلما فتح باب التجنيد واستدعت الحاجة ذلك، باستثناء الأفراد المنخرطين في المليشيات والتشكيلات العسكرية غير النظامية، الذين معظمهم بلا عقيدة قتالية، وتمثل الرواتب المغرية الدافع الرئيسي لهم للالتحاق بتلك المليشيات والتشكيلات تحت وطأة الفقر والجوع والحاجة الماسة للرواتب التي تمكنهم وأسرهم من البقاء على قيد الحياة، وعندما تندلع المعارك وتشتعل لظى الحرب فإنهم أول الفارين من أرض المعركة، وهو ما تبين في معارك مليشيا المجلس الانتقالي في عدن وشبوة، والتي لم تحسمها إلا الطائرات الحربية للتحالف لمنح المجلس الانتقالي نصرا مزيفا ضد القوات الحكومية.

وإذا افترضنا أن دعم السعودية للقوات الجديدة لتكون رافدا للجيش النظامي، فالسؤال هنا: لماذا لا يحظى الجيش النظامي بالدعم السعودي مثل دعمها للقوات الجديدة، ومثل دعم الإمارات للتشكيلات العسكرية غير النظامية والمليشيات الموالية لها؟ وما موقع الجيش النظامي من سباق النفوذ والصراع على المكاسب بين السعودية والإمارات في اليمن وإدارتهما العبثية للحرب ضد مليشيا الحوثيين؟ بل وما هي مؤامرات التحالف السعودي الإماراتي للإجهاز على ما بقي من الجيش النظامي بعد تفككه وانهيار معظم ألويته في بداية الحرب بسبب انحياز بعضه إلى جانب الانقلابيين الحوثيين لدواع مناطقية وطائفية؟

الخلاصة، من الواضح أن ما تريده السعودية هو إغراق اليمن في مزيد من الفوضى والتفتت والحروب داخل الحروب، وهذا ما تتفق مع الإمارات بشأنه وتوزعان الأدوار بينهما لتحقيقه، لكنهما تتصارعان عبر توابعهما المحلية على النفوذ والمكاسب، ويأتي في سياق ذلك تشكيل قوات جديدة موالية للسعودية، وفي المقابل تعمل الدولتان على إنهاك الجيش النظامي وإضعافه والإجهاز عليه لأنه العمود الفقري الذي ستنهض عليه الدولة اليمنية، لاسيما أن عقيدته العسكرية، كغيره من الجيوش النظامية في العالم، تمثل عائقا كبيرا أمام مشاريع تفتيت البلاد واستباحة سيادتها، في حال كان هناك حكام يرتقون إلى تحديات المرحلة، لكن الجيش النظامي مكبل بقيادة فاشلة وعاجزة.

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

تقارير

ما مستقبل الأزمة اليمنية بعد 10 أعوام من محاولة جلب الحل السياسي الشامل؟

الأمم المتحدة، وعبر مبعوثيها المرسلين إلى اليمن، لم تستطع، حتى الآن، إيجاد خريطة طريق للحل، ووقف إطلاق النار، وجعل مسار المفاوضات ممكنا، وسط تقارير تشير إلى تخاذلها وغض الطرف عن تصرفات مليشيا الحوثي العابثة منذ سنوات.

تقارير

" أهالي وأسر المختطفين في سجون الحوثي".. عِيد بأجواء حزينة

لحظات عِيدية كئيبة تمتزج بنوبات البكاء ومرارة التغييب، خالية من أي مظاهر احتفاء رمزيه بالمناسبة البهيجة، تقضيها أسر وأبناء وأقارب المعتقلين، حسرةً على أحبائهم الذين يقبعون في زنازين مليشيا الحوثي الكهنوتية دون وجه حق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.