تقارير

الإرهاب والعنف ضد المجتمع.. قراءة في السلوك الأمني للحوثيين

12/11/2025, 09:28:36
المصدر : قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

في الأسابيع الأخيرة، كثفت مليشيا الحوثيين إجراءاتها القمعية العنيفة ضد المواطنين في مناطق سيطرتها، ووصلت تلك الإجراءات ذروتها خلال الأيام القليلة الماضية، بإقدام المليشيا على بث اعترافات لمواطنين بتهمة التجسس، قبل أن تبدأ بمحاكمتهم، بالتزامن مع زيادة وتيرة الاعتقالات التي شملت أكاديميين بارزين لم يُعرف عنهم أي نشاط سياسي معارض للمليشيا، مثل الدكتور حمود العودي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء.

كما كثفت المليشيا الحوثية حملات الاختطاف بحق مدنيين وأعضاء في أحزاب سياسية، خصوصا في محافظة ذمار، بالإضافة إلى نهب أراضي مواطنين في بعض مناطق محافظة صنعاء والبدء بتسويرها، وغير ذلك من وسائل القمع والترهيب والحرب المفتوحة على المجتمع منذ العام 2015 وحتى اليوم.

- التنكيل بالأبرياء كرسائل ردع

يعكس تصاعد القمع والعنف ضد المواطنين في الآونة الأخيرة تخبط المليشيا الحوثية وزيادة هواجسها الأمنية في أعقاب اغتيال أعضاء حكومتها غير المعترف بها دوليا ومقتل رئيس أركانها وغيرهم، مع استمرار التهديدات الإسرائيلية ضدها، وتشكيل تل أبيب وحدتين استخباريتين مخصصتين لتتبع تحركات الحوثيين ومراقبتهم، وإطلاق قمر صناعي جديد للتجسس على إيران والحوثيين، فضلا عن إطلاق الكيان الإسرائيلي حملة إعلانات على الإنترنت لاستقطاب يمنيين أو معارضين للحوثيين للعمل كمخبرين لصالح إسرائيل.

وبين نجاح إسرائيل في توجيه ضربات مؤلمة للحوثيين واستمرارها في توعدهم وتفعيل العمل الاستخباراتي ضدهم، تعيش المليشيا حالة من الارتباك والتخبط والكبت الناجم عن انكشافها الأمني وفشل إجراءاتها الاحترازية وعدم قدرتها على التحديد الدقيق للثغرات التي مكنت إسرائيل من اغتيال أعضاء حكومتها ورئيس هيئة أركانها، فلجأت إلى تكثيف إجراءاتها القمعية ضد المجتمع وتخويفه، من خلال تكثيف حملات الاعتقال وتوجيه التهم الباطلة للأبرياء والمحاكمات غير العادلة.

يأتي ذلك وسط مخاوف شعبية من أن تلجأ المليشيا لتنفيذ إعدامات ميدانية جديدة بحق عدد كبير من المدنيين بدأت بمحاكمتهم بتهمة ارتباطهم بخلية تجسس إسرائيلية وأمريكية وسعودية يقع مقرها في الأراضي السعودية وفق مزاعمها، في مشهد يُذكّر بمحاكمة وإعدام تسعة مواطنين بسطاء من أبناء تهامة بتهمة التخابر مع التحالف في قضية اغتيال صالح الصماد، رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للحوثيين.

هذه الاعتقالات والمحاكمات والإعدامات الميدانية الهدف الرئيسي منها توجيه رسائل ردع للداخل بأن المليشيا الحوثية قادرة على اكتشاف الجواسيس ومحاكمتهم وإعدامهم في أماكن عامة وبث وقائع الإعدام مباشرة، لاعتقادها بأن ذلك سيضع حدا لأي محاولات فعلية للتجسس ضدها، غير مبالية بالتضحية بمواطنين أبرياء لا علاقة لهم بالتجسس ضدها أو ارتباط بأي جهاز مخابرات أجنبي، فالأهم أن تصل رسائل الردع إلى الجميع.

وبما أن جريمة إعدام تسعة من أبناء تهامة، في سبتمبر 2021، في قضية اغتيال صالح الصماد، قد أثارت استنكارا شعبيا واسعا، وأدانتها منظمات حقوقية محلية ودولية، فإن المليشيا الحوثية تعمدت هذه المرة إجبار المتهمين بالتجسس لصالح إسرائيل على الاعتراف بذلك، وبث اعترافاتهم عبر قنواتها الفضائية، لتبرير محاكمتهم وربما إعدامهم لاحقا بعد إصدار أحكام بذلك.

وهذا يقتضي تنظيم حملات للمطالبة بالإفراج عنهم قبل أن تصدر بحقهم أحكام إعدام وتنفيذها فورا، خصوصا أن جهاز القضاء في مناطق الحوثيين يفتقر للنزاهة وأصبح مجرد أداة بيد المليشيا لتبرير إجراءاتها القمعية وتنكيلها بالأبرياء أو الخصوم السياسيين من خلال إلصاق تهم باطلة بهم.

- سياسة إخضاع المجتمع

لا تقتصر دوافع قمع المليشيا الحوثية للمواطنين في مناطق سيطرتها والتنكيل بهم على توجيه رسائل ردع لوضع حد لأي محاولات للتجسس ضدها، وإنما تعكس في جانب منها سياسة المليشيا لإخضاع المواطنين عبر صناعة الخوف والإرهاب الممنهج لإعادة تشكيل المجتمع وبرمجته على نحو يضمن استمرارية سيطرتها، لا سيما مع اتساع حالة السخط الشعبي جراء تردي الأوضاع المعيشية، ومخاوف المليشيا من أن يتحول ذلك السخط إلى ثورة شعبية تطيح بسلطتها، وتتسبب بانشقاقات واسعة داخل بنيانها المترهل، مما يعجل بسقوطها.

هذا التصعيد العنيف ضد المواطنين أصبح نمطا ثابتا لسلطة المليشيا يقوم على التخويف والإذلال والقهر وسلب الكرامة والعقاب الجماعي، كل ذلك تمارسه المليشيا الحوثية كسلاح مدروس ومنظم أو ممنهج، حيث تسعى المليشيا إلى سلب المجتمع أهم صفاته التي قد تقوض حكمها، وفي مقدمتها الشجاعة والجرأة، عبر جعل الناس في حالة شعور دائم بالخوف والقلق والرعب، مما يجعل أي محاولة للمقاومة أو الاحتجاج تبدو مجازفة فردية قاتلة.

ومن خلال موجات الاعتقال المتتالية، والإعدامات الميدانية، واتهامات الخيانة والتجسس الموجهة نحو المواطنين البسطاء، تعمل المليشيا الحوثية على تحويل شجاعة المجتمع ومطالبته بحقوقه والممانعة الصامتة أمام محاولات تطييفه إلى مظهر مُدان، لتضعف بذلك قدرة المواطنين على تنظيم أنفسهم والدفاع عن حقوقهم.

هذه الممارسات الإرهابية والقمعية تعكس منطق الخوف الذي يحكم سلوك الحوثيين، مما يدفعهم إلى انتهاج الإرهاب والعنف ضد المجتمع كسلاح دفاعي لإخضاعه وضمان بقائهم كسلطة قائمة على الإرهاب والرعب لعدم امتلاكها شرعية الحكم.

ومن مظاهر منطق الخوف لدى المليشيا الحوثية، فرض رقابة صارمة على المواطنين من خلال إغراق مناطق سيطرتها بالمخبرين والجواسيس، بعد تقسيمها إلى مربعات أمنية، شملت حتى المناطق الريفية والقرى المتناثرة، ومراقبة حتى التجمعات في حفلات الأعراس وحفلات تخرج الطلاب، والتلصص على تجمعات المواطنين في مجالس القات واللقاءات العادية.

يضاف إلى ذلك المراقبة المستمرة لكل من تشكك في ولائهم لها، خشية من أي تحريض أو تنسيق موجه ضدها، عبر خلق بيئة لا تسمح بالتنسيق أو التنظيم المدني المضاد، واللجوء للعنف لإقناع المواطنين بأن تكلفة أي معارضة ضد المليشيا ستكون مرتفعة وغير مجدية وستنعكس سلبا على أصحابها، لدرجة أن حياتهم ذاتها قد تكون ثمن أي معارضة.

- من الغريم؟ من المتهم القادم؟

كما أن الإرهاب والعنف المنظم ضد المواطنين لا يقتصر على الأكاديميين والمعلمين والدعاة وخطباء المساجد وحتى الأطباء، لترك فراغ قيادة لدى المجتمع المدني، وإنما يشمل أيضا المواطنين البسطاء والنساء، لإيصال رسالة بأن العقاب الجماعي سيشمل حتى المواطن البسيط الذي لا علاقة له بالسياسة ومشغول بتوفير قوته وقوت من يعول بعد أن سلبت منه المليشيا كل أسباب البقاء بكرامة على قيد الحياة.

وبعد الضربات الإسرائيلية المؤلمة للمليشيا، صار كل من يقترب من منزل قيادي حوثي أو مقر اجتماعات من المشتبه بهم تلقائيا، وهذه سياسة ستُجرم الحركة العادية وتسهّل الاعتقالات والإخفاء القسري، وفرض حصار وشلل اجتماعي يقيد تحركات المواطنين، خصوصا أن منازل قياداتها ومشرفيها ومقرات اجتماعاتها لمختلف المستويات القيادية تنتشر في مختلف المدن والحارات وفي بعض الأرياف، حتى وإن كانت تدرك أنهم أبرياء، لكنها ستوظف ذلك من أجل فرض الضغط المتواصل على المجتمع حتى يفقد ثقته بنفسه ولا يفكر بالاحتجاج.

ويوظف الحوثيون فكرة "الولاية" أو "الحق الإلهي في الحكم" لتبرير القمع والتنكيل بالمواطنين باعتباره "تطهيرا" للمجتمع ممن تصفهم المليشيا بـ"الخونة"، وهو أسلوب يعكس منطق الحكم السلالي القائم على القهر بدلا من الشرعية المؤسسية.

هذا العنف اليومي والذي يشمل مختلف الفئات، أفقد المواطنين القدرة على التنبؤ بمن سيكونون الضحايا الجدد، وقد غيّر ذلك مفهوم علاقات الثقة حتى بين الجيران والأقارب، كما غيّر مفهوم الرجولة والكرامة، وأصبح المجتمع يعيش في شلل الخوف بعد أن كان يملك قيم الشجاعة والتكافل.

كما يهدف الحوثيون من تعمدهم إذلال المجتمع إلى خلق قابلية للاستسلام تسهّل التجنيد الإجباري والولاء القسري، مع استغلال "العدو الخارجي" في خطابهم الإعلامي لتبرير البطش، فكل معارض للمليشيا، أو لا يعبر عن ولائه لها، فهو عميل للسعودية أو إسرائيل، وهذا العنف والسلوك القمعي بقدر ما سيرهق المجتمع، فإنه سيقود المليشيا الحوثية إلى عزلة اجتماعية متزايدة.

تقارير

عاملون أمميون خلف القضبان ومنظمات إنسانية محاصرة بتهم الجاسوسية (تحليل)

من الصعب أن تُروى قصة الحرب في اليمن دون التوقف أمام جانبها الأكثر قسوة،كيف تحوّل العمل الإنساني، الذي وُجد لإنقاذ الأرواح، إلى ساحة صراع ومصدر نفوذ في يد جماعة مسلحة. منذ دخول مليشيا الحوثي إلى صنعاء في سبتمبر 2014، تغيّرت طبيعة الدولة، وتحولت المؤسسات إلى أدوات سيطرة، والمنظمات الدولية إلى طرفٍ لا يمكنه العمل إلا بشروط الجماعة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.